٣٠/٩/٢٠٠٩
٢٨/٩/٢٠٠٩
الأثنين 28-9-2009
جريدة الثّورة السوريّة.
٢٦/٩/٢٠٠٩
عن أبابيل.
٢٥/٩/٢٠٠٩
تابعوا سرديّات الشّاعر فرج في التالي من الأيّام... (في رسائل الحجحجيك).
٢٤/٩/٢٠٠٩
٢٢/٩/٢٠٠٩
الشاعر السوري عبد المقصد الحسيني لـ(الزمان): استعادة الذاكرة مثل تحرير رهينة من قرصان حوار: جوان تتر.
الشاعر السوري (عبد المقصد الحسيني) منذ سنواتٍ قديمة يدوِّن قلقه وشغفه بالدّيوك المتصارعة، لقصائدهِ رائحة غامضة وعوالم متخفية أو بالأحري (هو من يخفيها كساحرٍ)، قصيدته تنجذِب في أغلب الأحيان إلي دائرة اللّا معني لنقف حياري لا نعرف درب الخروجِ من القفص (قفص اللاّ معني) وإن حصل وخرجنا تبقي كلماته في الذّاكرة التي تجتهِِد عبثا العثور علي المعني، أصدر إلي الآن شعرا (حارس الهواء) و (مآتم النسيان) و (المهارش) وفي مجال الرواية ثلاثيته التي أنجز منها الجزء الأوّل والجزء الثاني والمعنونة ب (حجّاج العتبات الترابيّة) أمّا الجزء الثالث فهو قيد النشر، عن الشعر والرواية والغموض كان هذا الحوار :التذكّر كان حقيقيا في الماضي وأصبح عالما وهميا الّلحظة، التذكّر إلي أي مدي يؤثر علي الكتابة عند الشاعر، كيف تعامل الذاكرة؟
ــ إستعادة الذاكرة بأقاليمها.. و فصولها و شخوصها عملية مرْهِقة مثل تحرير رهينةٍ من أيدي القراصنة، أفرش الذاكرة بوحوشها المتفرِّسة أمامي وأنبش كعالِمِ آثار لأحصل علي جوازٍ لتدوين مانهِب، الذاكرة لدي مغتصبة منذ الأزل ومرهونة، عليّ أن أقتل حرّاسها ومن ثمّ العودة إلي مقتنيات الروح لنمضي معا سهرة في تجميل العتمة.
û تحت مسميّاتٍ عِدّة كتب شعراء كثر،مارأيك بالتصنيفات الشعريّة؟
ــ التصنيفات الشعريّة مثل موديلات قصّْ الشعر الآن، لا يهمني سوي الإبداع، تلك المسمّيات قد أزيلت بفعل عوامل الحتّ والترسّب، ولكل فصلٍ مسميّات وقراصنة، لم نستطع أن نواكب تلك التصنيفات لأن ذاكرتنا كانت ضعيفة ومترهلة، ومن نتائج التطوّر الاقتصادي أنّها أمْحتْ التصنيفات الجميلة لدينا منذ القدم وازدهر سوق عكاظ في التاريخ.
û أنت تكتب الرواية إلي جانب الشعر،إلي أين وصلت في مشروعك الروائي؟
ــ أخون حالتي، لكنني أجدِّد العزيمة علي مواصلة الجنون، أحيانا أبقي لقيطا مرهقا في السرير، فأتجه إلي الرواية، أنجزت الجزء الأول والثاني من الثلاثية (حجّاج العتبات الترابيّة) والجزء الثالث قيد الإعمار والترميم وبحاجة إلي ترخيص من البلدية (يضحك)، في المشروع الروائي أعلِّق روحي علي المشجب تحت أشعة الشمس لتتجدّد الخلايا ولتفرّ الجراثيم، في الرواية خيالي منتحر من كثرة الأساطير الموجعة والحكايات المحرّمة ولكنني أعود إلي القصيدة حينما تفور الشهوة علي البياض، النص الشعري أحبّ إليّ إن كان خيالي يتجوّل أمامي طليقا.
û لماذا الغموض في كل كتاباتك؟
ــ للغموض شهوة، وشهوة الروح تكْتب علي البياض فلا بدّ من الوقوف بإجلالٍ واحترام أمام تلك الحالة، الغموض ليس طلاء جدار معبد أو بيت إنما حالة طبيعية، فلكل إنسان حالته وظروفه، الغموض ليست عملية قيصرية بل حالة أمارسها في الحياة، الغموض لذة مقدّسة في النص ولكن القارئ الرّاهن كسول ومترهل الذاكرة والوعي، علينا إعادة تأهيل الإنسان الحاضر وتنمية روحه بالثقافة عِوضا عن ثقافة الأعراس والهاتف النقّال كي يستطيع إكمال الحياة.
û في المشهد الشعري الراهن نلحظ وفرة من الإصدارات الشعريّة برأيك هل يعكِّر ذلك المشهد الشعري أم هو دلالة علي النضج الشعري؟
ــ المشهد الشعري كسوق الماشية، وفرة الإصدارات الشعرية ليست مصدر صحوةٍ، إنما عراك علي البياض بدون فائز، الخاسر الأكبر هو الإبداع، هناك انقباض في الحالة البشرية نتيجة الكوارث التي تتفرّس البشر، فالمشهد الذي تدّعي سراج ضرير لا يري البياض، يبقي الإنسان حائرا مهبولا يتفرّس لعابه لأن حقل الثقافة يتصحّر بمعونة ملّاكي الإستثمارات، المشهد مخيف يستند إلي مواثيق مزوّرة وشخوص ضبابييّن.
û حدِّثنا عن ذاتك الشعريّة؟
ــ ليس الشعر عملية تربويّة، بل حالة ميتافيزيقيّة، لذا أبحث عن ذاتي فأجدها خارج السرب، أنقِّش فضائي بأحلام اليقظة اللقيطة وأرتمي علي ظلي النحيف لكي لا أزعج الموتي وأدوِّن شهوة القدر، نفترق أحيانا لنعيش طلقاء، فأنا كالعرّافة علي صهوة البياض ولا أبخل علي الروح بالمهدِّئات كي أفرش الصباح النقيّ أمامي.
٢١/٩/٢٠٠٩
س1- بحسب اطلاعنا : إنّ (مزكين طاهر) أولُ مغنية أوبرالية كرديّاً , ما سببُ اختياركِ لهذا الغناء غير المسبوق ؟ ج1- أنا من عائلةٍ فنيّةٍ كانتْ تُقامُ في بيتنا أمسياتٌ للغناء الكرديّ الشعبيّ ( أغاني (دنگبيژ ) وكون والدي من المغنيين الشعبيين في تلك الفترة :(نجيم أومري) إضافة إلى تلك الأمسيات كان يلفتُ إنتباهي شيءٌ آخرُ, في القناة التركية حيث كانتْ تعرضُ أسبوعياً برنامجاً موسيقيّاً تُقدّمُ فيها (أوبرا أو كورال كلاسيكي.( الغناء الشعبي الكردي (دنگبيژية) مدرسة فنيّة بحدِّ ذاتها , حيثُ كان دائماً يخطرُ ببالي سؤالٌ: كيف باستطاعتنا أنْ نجعلَ من هذا الغناء الشعبي مدرسة فنيّة عالميّة مثل الذي يعرض في التلفاز؟ لذلك أردتُ أنْ أدرسَ الموسيقا والغناء بشكله الأكاديميّ لعلي أستطيعُ إيجادَ جوابٍ لهذا السؤال. س2-ما هي طبقاتُ الصوت التي يجبُ أنْ تتوفرَ للمغني – المغنية كي يجيدَ غناءً أوبراليّاً ؟ ج2- ينقسمُ الصوتُ في الغناء الأوبرالي على النحو التالي: - سوبرانو: الصوت الرفيع للفتاة (الطبقات العالية) - ميتسو سوبرانو: صوت الفتيات بين الرفيع والثخين (الطبقة المتوسطة) - ألتو: صوت الفتيات الثخين العريض (الطبقة المنخفضة) - تينور: صوت الشباب الرفيع (الطبقة العالية) - بريتون: صوت الشباب المتوسط بين الرفيع والثخين (الطبقة المتوسطة) - باص: صوت الشباب الثخين (الطبقة المنخفضة) بهذا الشكل ,كلُّ الأصوات البشرية تستطيعُ أنْ تغني غناءً أوبرالياً ,هذا إذا كانتْ أصواتاً جميلة، ولكنّ أسلوبَ الغناء الأوبرالي يحتاجُ إلى تمرين ودراسة. س3-( مزكين طاهر أضاءتْ ليل دمشق بصوتها ) هذا ما كتبته الصحفُ غيرُ الرسميّة ؟ و غنتْ بوساطة فرنسيّة ؟ ج3- حفلتي الأولى بعد التخرّج كانتْ برعاية المركز الثقافي الفرنسي بدمشق ,وهكذا عُرفتُ من قِبلِهم , وأصبحتْ لديّ علاقاتٌ ومعارفُ في المركز , فكلما تأتي مجموعة موسيقية فرنسية ,وإذا وجدوا بأني أنسجمُ معهم فنياً كانوا يُعلمونني فيما إذا أردتُ العملَ معهم ,أم لا، هذا ما حصل معي و(مينا أغوسي) مغنية الجاز الفرنسية قدمنا معاً حفلتين بعنوان "الجميلة والوحش" وأدّيتُ معها أغانيَ من ملحمة "سيامند وخجي" في كنيسة في مدينة حلب وفي دمشق في دار الأوبرا، وأيضا مع فرقة (دي. جي. أول) للموسيقا الإلكترونية غنيتُ معهم أغانيَ من التراث الكردي (بايزوك) في دمشق في قلعة صلاح الدين الأيوبي، ومن خلال تلك العلاقات أرادتْ صديقة فرنسية أنْ أقدّمَ حفلة ضمن برنامج "دمشق عاصمة الثقافة العربية" فأخبرت مسؤولة النشاطات الثقافية في هذا البرنامج في المركز الثقافي بـ"دمر" وبموجبه قدمتُ حفلة بعنوان "ألوان من التراث السوري" وباللغة الإنكليزية "Songs from the north of Syria" وهكذا كانتْ أغلبُ أعمالي بوساطة الفرنسيين. س4-نادراً ما نقرأُ نقداً فنياً أوبرالياً . كيفَ تمّ تقييمُ مزكين طاهر نقديّاً ؟ ج4- لأنّ فنَّ الأوبرا في الشرق عموماً فنٌ أوروبي وغريبٌ على الساحة الشرقية، ومن ناحية أخرى مؤرخو هذا الفنّ قلائل , بل و حتى نقاد فنّ الغناء الشرقي أيضاً، وبحسب تقييم المعهد العالي للموسيقا في دمشق لي فقد قيّموني بـ"جيد"، كما أنّ المجموعات الفنية التي كانتْ تأتي إلى المعهد وكنا نشاركهم في ورشات عمل مشتركة كانوا يقولون "صوت مزكين صوت خاصّ" فهو صوت للقاعات الأوبرالية الكبيرة، وأحياناً أخرى كانوا يقولون لي هل تتقنين اللغات الإيطالية أو الألمانية أو الفرنسية ؟,كان الجوابُ :بالنفي، فيقولون :النطقُ لديكِ جيد في هذه اللغات على عكس أصدقائك، كنتُ أقول أنا لستُ عربية ,فأنا كردية , ولغتي الأم لغة هندوأوروبية ,لذلك مخارج الحروف عندي مثل اللغات اللاتينية الأخرى مثل (P-J-Sch-Ch-G-V) ولكن غير ذلك , صوتي لم يُقيّمَ بعدُ على الساحة الفنية. س5-أينبغي على المغنّي – المغنية أنْ يتعلمَ فنَّ ( الأوبرا) أوّلا , وتالياً أنْ يتحوّلَ إلى الغناء ؟ ج5- لا، هنالك أصواتٌ فطرية جميلة جداً مثل المغنيين الشعبيين الكرد , وغيرهم أمثال (شاكرو - سيد علي أصغر كوردستاني - مريم خان - حسينكي أومري ... إلخ) هؤلاء عمالقة الغناء الكردي , والحديثين مثل (فقي تيرا - شفان برور - كامكاران ... الخ) أصواتهم من الحنجرة وعرب أصواتهم الشرقية تضيفُ جمالاً على أدائهم، ولكنْ يجبُ أنْ يعرفَ المغني أو المغنية الطريقة التي يغني بها على الأقل، وإذا أتقن أسلوباً آخر , مثل الأوبرا من المؤكد أنّ ذلك أفضل. س6-هل لحنتْ مزكين قصائد من الشعر الكرديّ الحديث لتكونَ مغناةً ؟ ج6- انتقيتُ مجموعة من القصائد الكلاسيكية والحديثة ب
ملاحظة : الحوارُ و الصورُ خاصّة بسما كرد , لا يجوزُ نقلهما و الاستفادة منهما إلا بإذن , أو بالإشارة إلى ( سما كرد ) . خاصّة و أنّ الصور مهداة من المغنية مزكين طاهر إلى سما , و تُنشر لأوّل مرة .
٢٠/٩/٢٠٠٩
١٩/٩/٢٠٠٩
موقع ألف.
١٧/٩/٢٠٠٩
١١/٩/٢٠٠٩
بسكليتات وسينالكو.
العزى يجي على كيفه. وليش ياجدة العزى يجي مثل ما قلتِ. لأنو عزى ياولد. عزى! طيب ياجدة هاتي الحليب ونروح عالدوندرمجي. حكو يرافقنا من بعيد , والعزى مثل ما بتعرفي يخاف من حكو. حكو بذاتو عزى. تضحك تلملم أردانها الطويلة وتنادي: تعال ياحكو, تعال ياعزى. السطول بأيدينا ويالله تعين يارب...
أه النقود النقود! كأنما حرقت النقود جيبي لأفكر التخلص منها. هل أكري بسكليت لنصف الساعة؟ هل أشتري لحمة بعجين من يوسف إبن عمتي, كازوزة سينالكو, كاتو من فرحانو, كارز مشوي, كتاب أو مجلة من مكتبة أنيس حنا؟ ماذا؟ ليس لكل طفل نقود في الجيب. والنقود التي أملكها, أجري من جدي, جدتي, أو مصروف من جدو أبو والدتي. أمسك توب القماش, يكون مخمل, يكون ساتين, يكون بوبلين, يكون جوخ, يكون ما يكون. وهو يلف يملس اطراف التوب, ويعطيني لأضع على الرف. كل ثوب محله. الدكان, تقريباً لا حجم لها من كثرة الأتواب, والألوان, كل ألوان القزح. هو بصدر المكان خلف الطاولة والدخل. جاكيت, كرافتة, طربوش أحمر. وعيون تضوي تضوي. يقبل رأسي يضع في يدي, نصف الليرة. "مصروفك يا فرجو". والمصروف أحياناً هدية من جدتي على مساعدتي لها. ويالله تعين يارب...
نلعب, نلهو, نمرر الوقت, نمرر طفولتنا وولدنتنا. برّامات نلعب. كرة قدم نلعب. وألعاب أخرى في نادي الأرمن القريب من الحارة, أو في نادي السريان البعيد عن الحارة. ألعاب كمثل كرة الطاولة (بينج بونج), الدومينو وأشياء أخرى كالبيلياردو والبيبيفوت. هناك لهو يقضي على كل مصروفاتك ياولد. وهناك لهو لا يحتاج لغير إمكانياتك ومهاراتك الجسدية الشخصية. البرامة نشتريها من أحد النجارين, مرة واحدة إلى أن تنفلق. الكرة هدية عمي حنون من الشام. أما الأفلام او البلورات, يعني الغارات يجب تجديدها وشرائها إما من الأولاد, إما من الأكشاك والحوانيت. ويالله تعين يارب...
أحب المشي بالخف, واللعب بالخف. لأن الركض وركل الكرة أسهل من الحذاء العادي. بلعب الكرة يشاركني جميع أطفال الحارة, وحتى من الحارات المجاورة. لأنها كرتي الخاصة. ومن العزى أن لا كل طفل يملك كرة, طابة من جلد. كرة قدم حقيقة وليس كرة من الخرق البالية. كل فريق يريد إنتمائي له, إما بسبب كرتي, إما بسبب مهارتي. خليط من أطفال كل الأجيال يشكل فرق من ثمانية أفراد, لأن الشارع ضيق ولا يطول على الستين متر من مفترق لآخر. كل طفل يطلب من أهله غلق الشبابيك اللي عالشارع. واللعب بالأهداف, ثلاثة أكوال والفرقة الخاسرة تطلع برى, لتبدلها فرقة تالية. وعلى طول تربح فرقة "قلب الأسد" لأنها فرقتي. وفرقتي تضم أحسن اللاعبين. ويالله تعين يارب...
تميل شمس النهار على لو ح المغيب الأزرق, وتلمع جدران الطين, وتشع من قش السياع. ياتي فرحانو ومعه كاتو حار من الفرن. ينفق بلحظات. يقول: قبل ذهابي لأودع الفلوس من دخل اليوم,
أريد أكري بسكليت. رأسه حار حار. ساخن من حمة الصينية التي يرفعها عليه من الفرن إلى الحارة. تعال نروح نستأجر دراجات من عند أبو طرزان كيڤو, نركبها على مدى الشارع إلى كورنيش القوتلي, ونلف إلى البلودان, حد السّراي, نلف دورة ونرجع. "بس أبو كيڤو ذاك الوديع صاحب الشنب الرفيع ما بيحكي غير اللغة الأرمنية, وإشلون راح نتفاهم معاه؟". بالمصاري. الفلوس هية أحسن لغة أهم تعبير. النقود يا فرجو النقود!. ويبتسم زميلي الوسيم, زميلي الأمي. والكرة؟ أعاود أسأله. "خليها يلعبوا فيها ولما نرجع ننضم إليهم. ويقدم لي تركي إبن عمه. تركي يتيم يقول. هل أنت تركي ياتركي؟ لا أنا محلمي!. وليش ضعيف هالقد؟ ليش حذائك بالي؟ يتداخل فرحانو: خليه, هو أكبر منك ومني. عنيد ومشاكس وقوي رغم نحافتو!. طيب! ألتفت للاعبين: ياولاد حارتنا لعبوا تركي! وبس أرجع بعد نصف الساعة يطلع وأفوت بدالو!.
ينضم إلينا يوسفو إبن خالة مامتي, وحبيب بوكان إبن الصايغ اللي باعنا خاتم الذهب المنقوش بالنسر, واللي ظل في عب الجقجق
الصبايا ورود الله وجناينه. ولكن له ورود وجناين أخرى أنبتها بشتائل شتلها البشر. وشارعنا ينتهي غرباً بالكورنيش. المسمى "جادة القوتلي" الشارع يحز البيوت, بيوت الطين, ويمر إلى كورنيشه الأنيق. المشجر, المبستن, المرصوف. بيوت كانها صور من جورنالات خيالية. فتنة تأخذ القلب والذهن, تسحر العيون. مناظر يخلب لها وبها. ورود بشتى الألوان تتسلق سياجات, نباتات وأشجار لا تأتي على بال. روعة من بوابات, ومداخل, وشبابيك لم نتعود على رؤيتها. لأننا نعيش في حدود شارعنا وحارتنا وسوقنا. وها نحن في دنيا أخرى, مجاورة لنا ومختلفة عنا.
لا تذهل أيها الطفل! كمل ركوبك, فما زال أمامك مشوار. مازالت أمامك مناظر. لا تدع الخدر يتسرب إليك وأنت تسوق. جوقة أجراس تمر بالفرسان الأربعة. خيول حديدية لامعة. هذا يتسأل هل هزت رأسها الغزالة, وهذاك يقول غمزت له. كل حكة عين أسطورة. كل نظرة خرافة. هن بالمشي ونحن بالركوب. هن بالحكي ونحن بالرنين. ويارنين العمر على اول درب. وياحفيف النسيم على مطلع البرية والبراري. دخلت الغزالات بالبلودان, واللافتة تقول: "ممنوع دخول الدراجات". لن نبقى فريسة الظمأ وهنا الماء, النوافير وشذى الورد. هناك ظلال الأرز والسروات. هناك سنديان وصفصاف. وياعيني على غمز الصفصاف. إذاً لنربط الدراجات جنب البوابة وناطورها. لنتأمل عصر اليوم ونلمس خفض الحرارة. وننظر كيف إمتزجت كل ألوان الخليقة بالصورة. أحجار السّراي السوداء, خضار جنات البلودان, ورد البنات وزهر النبات. نشرب. نسترق النظرات ونستوعبها من الطرف الآخر. نخاف ولا ندري ما الذي يخيفنا. والوقت يمر لأن الوقت لم يعتاد إلاّ أن يمر. وحساب الكراية يتراكم وإبن الصائغ كفيل بالأجر...
نؤوب. نرد الدراجات. يسهل لنا أبو كيڤو رغم فوات الأوان. "عشر دقائق على حساب" يربت على صدره, يبرم شواربه . معليش معليش. الزلمة إستلم مننا ليرة ولا بأس في ذلك... نشرب قوارير السينالكو الباردة. ونمضي الى أمورنا العادية في حارتنا وشارعنا. نمضي إلى لعبتنا اللا متناهية. حيث مازال الرفاق يركضون خلف الكرة وخلف الخصم ويصخبون كانها لعبة العمر. لا أحد يحب يخسر. لكن تركي هوغير شيء. لم يعتاد الجري. لا خفة بحركته. لا تعاون. لا تجاوب مع أفراد فرقتنا. ومع ذلك يطلب الكرة. يعطوه, فيخسرها. يقف يشتم. يصرخ. يخافون منه. عبوسة وجه وخشم حاد كنصل السكين. عيون غراب ونظرة جارحة غدّارة.
يتركنا فرحانو. يروح يودع الفلوس عند أهله. ثم هو تعبان من شغل اليوم. ومن بقايا شقاوة الأمس وما قبل الأمس. الصيد. الفرن. الكاتو. العتالة. يريد يستريح يبدأ الغد عن عزم وجد. باص الشفق ينتظره. وهكذا نبقى مع تركي والمحنة اللي إسمها تركي. يترجاني خضر, يترجاني اسحاقو "إرجع للعب يافرجو". طيب! يا تركي إتفضل إطلع برّى. أنا مو برى, يقول تركينا العبوس وعيونه تتقلص حتىالغموض من شدة النفي وهزة الرأس. ياتركي الكرة كرتي, عطيتك تلعب بدالي, وهلق
كيلوان من الرز وإثنين من السكر وعلولو لأهل المضروب. تعويض. و اللي صار بين الأولاد صار وفات. والكرة يرقعها وينفخها لقاء فرنكين ونص, أبو كيڤو كاري البسكليتات.
وتصالحنا.
يمدّكم الشّاعر فرج بصلو بأيّامه- ابقوا معه...
٩/٩/٢٠٠٩
“كَيَدَيْ محتاج” عنوان المجموعة الرابعة للشاعر السوري عارف حمزة، بعد “حياة مكشوفة للقنص” عام 2000ـ عن وزارة الثقافة السورية، “كنت صغيراً على الهجرات” 2003(ـ، دار ميريت ـ القاهرة)، قدم مبتورة (2006 ـ دمشق، الحائز، مع شعراء سوريين آخرين، هم جولان حاجي وتنام التلاوي وهنادي زركا، على جائزة محمد الماغوط الشعرية مسابقةً يتيمة رعتْها وزارة الثقافة السورية لدورة واحدة فقط). كيدي محتاج مدخلٌ ـ عنوانٌ ناقص. ألا يبنى العنوان هنا على نقص مقصود؟ ناقص لغياب المشبَّه، لكن بالآن دالٌ على غياب ما، حاسم في نقصه وغموضه. اليد التي تعمل أصبحت اليد التي تسأل، إنها محتاجة وتريد. لنفترض الآتي: حياة كيدي محتاج. قصيدة، قلب، رغبة، بكاء، غضب،حيرة، حلم طويل يمد عينه كيدي محتاج.. الخ. الاحتمالات بالطبع لا يمكن حصرها، ومع كل احتمال تتغير الدلالة وتنحرف. من هنا زوغان العنوان الناقص، خصوبته المختفية أبعد من دلالته المباشرة. العنوان محصور ومحدود وناقص، متوار ومنكمش، مقطوع داخل سؤال يتفتح ويتمدد. نقرأ في الصفحة الخامسة التمهيد التالي مأخوذاً من الشاعر الإيطالي سيزار بافيزي: (سيأتي الموت وستكون له عيناك..). أفي مجي الموت جواباً على احتمالات يدي المحتاج المفتوحة؟ لكن الموت يأتي بعينين ! هو موتٌ يرى، موتٌ موعود به، واعٍ وراءٍ، موتٌ أكيد. التمهيد بمقطع من قصيدة شاعر إيطالي لديوان عارف حمزة الجديد، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في سورية ـ ورد اسمه محمد عارف حمزة للمرة الأولى هنا ـ أيضاً مؤجل وماكر؛ فهو مسبوق بالسين (سيأتي الموت)؛ السين التي تستقبل وتسوف وتؤجل. العنوان مع التمهيد، أحدهما يزيل اللبس عن الآخر، وهي إزالة هشة وناعمة، لكن التمهيد لا يوضح العنوان تماماً ولا يقوله صريحاً.
يظهر من تأمل تواريخ كتابة القصائد، وطريقتها المتسرعة اللاهثة، أنها بنات يوميات غاضبة محتقنة وأليمة. ذلك أنها تحمل من اللغة بوحَها المتفشي، تكرارها الشفهي، وسيولتها الشفافة الواضحة. لا نحت في اللغة، ولا بريق في الصور. لكنها مع ذلك تُقرأ بيسر، وتتقدم مثل الأيام التي كتبت على وهج ثقلها المتراكم وإرباكاتها الحميمة. ثمة على العموم، في جل الشعر السوري الحديث، ميل غامر ومتسرع نحو التخفف من البلاغة، والنيل الطري من خيال غدا عبئاً على واقع يبني الشعراء لغتهم على هوانه الجارح وبؤسه المتعاظم. ثمة حرثٌ أعزلُ وأليمٌ في كيان الخيبة نفسها، ثمة هذه الحماسةُ صوتيةً تذكّر بما كانته قصائد الثمانينيات والسبعينيات من جهة جعل الشعر مطابقة لواقع كائن أو متوهم. ربما لأن الجدد لم يبدلوا من الكتب سوى أغلفتها ومن الأفكار سوى سطوحها العائمة. لم تعد اللغة قادرة على الانحناء والالتقاط، الحمل والاحتضان والتحصن. إنها تطيح وتقشر جمالها على بدْوٍ سريع وعواطف متشنجة. الشعر محاصر بما يحاصر اليوميات من رداءة شاملة، وتقهقر متلاحق في الجامعات والوظائف، في السياسة والاقتصاد. اللغة أيضاً تتراجع عن همومها الجمالية لتغدو بلا رفق وبلا أناة تجاه همها الحياتي الضارب والممزق. إنها تخسر انفعالها مرتين. مرة أمام ذاكرة الشعر، ومرة أمام طموحه الصعب. فالحاضر مرّ، معوز، غث، بلا فكر، وربما بلا جسد يمكن الاستناد إليه. إنه مصنع جهنمي لاستنزاف الخيال وتحطيم كل أمل. ذلك أنها، أي اللغة، كوعي وشعور وجسد معاً، تضحي بالصعب والصارم أمام اليومي الضاغط، تبعد الخيال وتمنحه واضحاً للفم والعين. كل شيء ممنوح حتى الحرمان نفسه الذي أتلف من العقل ذرواته النائية ومن الخيال عمقه السري وفرديته الصامتة. انتهت الطبيعة ساحرة وواهبة، تقلص الغريب الغامض، ومعها يتقيد الشاعر بحدود الممنوح قرب اليد عارية، مفتوحة، وبلا ظل.
قصائد ساهية سرحانة تتودد وتتمحور حول انفعالها وتتشتت فيه وإليه.يوحِّدُها تشتّتُها المتماسك ويرسلها وجْدٌ ساخن طليق. الوجد في الكلمة معززة بتكرارها وتوكيدها اللفظي، لا في عتمتها وجوفها المنسي. ما يبقى بعد القراءة ظلال سهو وبقايا حيرة. أن تجعلك قراءة الشعر ساهياً ـ وربما في ضجر حالم رخو ـ هو من قوة الشعر اللفظية بطريقة معاكسة، إنه امتلاء الشعرية الجديدة بالخيبة والأسى والاعتذار. الخيبة التي تعض وتطحن يد الشاعر والاعتذار الذي يجرح ويطبق عينيه. تسعى معظم القصائد إلى تكثيف بداياتها بنهاياتها محمولة عوداً على بدء لا هو بالحذر ولا المرتبك. نهايات تختم هدايا البدايات، كما عبر بول فاليري ـ بتكثيف هو ضرب من توسل الشرح والتأويل. إن كتابة ـ في الشعر ـ في داخله الذي لا يصمد طويلاً أمام الصمت؛ بل يحيله ـ عن قلة تحمل عبئه الصعب الغامض ـ إلى توضيح وعمد كان من الأجمل لو أرجئا أو سوئلا أو ألغيا بلا قيد. الكتابة ـ على وتيرة كهذه ممدوحة ومحتفى بها ـ لا تسأل نفسها ولا ترجئ بصمتها كلامها ولا تلغي وضوحها بأسرارها. ربما لأنها بلا سر وبلا صمت وبلا سؤال. إنها مقيدة وممتحنة ومطالبة بثباتها أمام واقع يكاد يخسر حتى آلامه الحميمة.
هكذا يمكننا،اعتماداً هاوياً على الشعر وبه، قول كل ما نريد ونشعر ونفكر. قوله بالمطلق مضبوطاً نظيفاً، واضحاً عارياً وبلا صاحب. الشعر ـ على ما كان ـ يتمٌ قاس ووحشة ضارية. حاجة ما عاد بوسع إمكانيات اللغة المتاحة طيعة وسلسة سوى مدها ونشرها مبسوطة وخجلة وفارغة وأليمة كيدي محتاج. لعل الشعرـ بلا قسر ماورائي ـ هبة لا تمنح بسهولة وبلا شقاء وبلا مرض كامل؛ مرض لا يستطيع حتى أن يمد لسانَ أوجاعه. أهو جواب على كل فم ورجم بكل شيء. شعرٌ جوابٌ هبةٌ، هي في الختام، قصيدة مرارة وعذر ونمو وبقاء اللاشيء محتاجاً إلى شكل أو إلى فقدان كل شكل. القصيدة ـ لدى عارف حمزة ـ تبحث عن فمها في كلماتها ذاتها بعدما خسرت يدَ وعيها بنفسها، يدَ حاجتها إلى كلماتٍ تعي أكثر مما تنفعل، وتصبر أبطأ مما تشكو، وتشهد أعمق مما تشرح وتؤول. لكنه يبقى مثلما قال يوماً جيزواف مييوش جزءاً حزيناً من (ذلك المسعى المستمر).
المستقبل.
ـ «لستُ نائماً. إنني أتنفس. أتنفس، أتخيل، وأفكر». نفى الفتى تهمة النوم بنبرة حزنٍ يشبه نظرة عيني أمه؛ قلقتين تنظران إلى عينيه المغلقتين. «إلى متى ستدوم هذه الحال المجنونة؟». ردّدَتْ كلماتِ رجائها اليائس. «ها قد حلَّ الزمنُ الآتي، وهو لا يريد أن ينظر إلى حياته.. »!
(كانت غابةٌ قديمةٌ، شديدة الاتساع وعديدة التلوّن، أشجارُها كثيفة ومختلطة الأغصان. تقع وسط الغابة دائرة رمال تمتد على مساحة هائلة. تموج ألوانٌ صفراء لامعة ملساء كدهنٍ ساخن، تعلوها بقعٌ بنية خفيفة تشبه أثر رضوض سطحية! لم تكن شراسة بعد، ولم تكن ريحا ولا عويلا كالذي نسمعه اليوم. في مركز الدائرة الرملية معبَدٌ ذو واجهة زرقاء عريضة. سطح المعبد المحدب من قرميد أحمر داكن. كأن الشمس لا تضرب حمرة السطح، وكأن الغبار لا يمس لون الواجهة الزرقاء. معبد ذو أبواب لا تحصى، لكنه يحتوي على نافذتين اثنتين فقط؛ إحداهما تشرف على أرضَ الصباح، والأخرى مغلقة جهة الغروب. عرشُ الـ مَ لِ كِ – سيد المعبد الوحيد – ينبسط تحت تقعر سقف أبيض بياضاً فاتراً حيث يتقطر الضوء كل يوم على جبينه، وسريرُ الجارية المحظوظة قائمٌ في الشرق. لسوء الحظ، وكما يحدث عادة، أصيب الملكُ بالصمم في أواسط عمره. عمر الملوك لا يقدر بأي ثمن. ولأنه كان ملكاً حقيقياً فقد بادر على الفو الى طرْد كل جنوده إلى الغابة، مانعاً إياهم تجاوز خط الرمال، مهدداً بتحويلهم إلى أحجار صغيرة يلهو بها أطفال الخدم والجواري إنْ هم تجرؤوا وعبروا الخط المحرَّم. ألا يتخيل الملك نفسه أيضاً وحيدة وبلا سلطة إزاء خيالات الأطفال العابثة؟ أي ذاكرةٍ ذاكرةُ الملوك هذه؟ كذلك طُرِدَت الجواري اللطيفة الخفيفات والخدم الصبورون المطيعون. مضت الجواري إلى الأعلى حيث الورود بيضاء كآذان نجوم منكمشة، أما الخدم فسارعوا مغتبطين إلى الأعشاب القرمزية الداكنة الملتفة فوق حياة الديدان النشطة تنزلق وسط عظام راقدة! على كل حال فقد الرجل صوتَ أذنيه لكنه لم يفقد صوت قلبه الحزين. لذا فقد احتفظ بجارية واحدة – لم يرها من قبل – تسهر على حمّى أيامه وتخفف شيئاً من قسوة مصير لا يزيل ثقله سوى نسيان سريع. احتفظ الرجل الملك، سيد المعبد الكبير، بإحدى سمات الملوك الرقيقة:
(«كانت الكلمة جلداً وماءً. في ذلك الوقت، أدرك قلة من البشر الهادئين، أولئك الذين كان بإمكانهم الإحساس بضوء النهار وظلمة الليالي تنساب داخل أجسادهم، أن ما حدث منذ أول رؤية لم يكن معجزة ولا كابوساً فظيعاً كما يعتقد كثير من أبناء العصور التالية، فالرجل الذي دارت حوله الألغاز – الأحاجي المملة التي اختلقها شبيهُهُ ،وزوَّرها في ما بعد مريدوه – قاسي النظرة كئيب الطوية وكثيف شعر الصدر. رجل شهم أصيل ذو صفات واضحة: طويل قصير معاً، بدين نحيل، مهزوم، غاضبٌ مثل إله يغضبُ، قبيح بسبب النهم والحقد. تفوَّقَ، مثلما التهمت الرداءة سوق العمل والصحافة ذوق القراءة، لا كما تفوقت الموسيقى على الرسم مثلاً ولا كما يقل جمال اللغة كلما فقدت صلاتها بعالم الرسم، في تحويل أقرانه الصامتين إلى حيوانات خسرت إلى الأبد كل ألفة بشرية ممكنة. حوّلهم إلى وحوش جادين ومتحمسين ذوي نفوذ فاعلين وغير مكترثين بأي نصح. أقزام مخادعة نشطة، مرايا تظهر عفونة الموت بدل اللحم الذي يرتعش من ألم القبلات الطويلة. من أشهر أسمائه الرائجة تلك الأيام (سيد الغابات والصحارى اللانهائية)، وقد كان له اسم آخر يتذكره حفنة شعراء لاهثين مرضى وقورين، دعوهم في ما بينهم بـ «هذا هو سارق الهواء الحر الأبدي، لا يعرف شيئاً عن مذاق هواء الجبال المسافرة»! أمضى السارقُ حياة مألوفة في طفولته وصباه وبداية شبابه. مصَّ الحليب جيداً من ثدي أمه الجبلية، نام سنوات عديدة داخل بيت حجري منخفض صغير مع والديه وأخوته، رأى أزهار الجبال – هكذا يفترض الجميع – لسعتْهُ بعوض فصول الصيف الحارقة، سمع أغاني الأعراس فيما كان يتجول بعيداً عنها قرب ألسنة الكهوف الرطبة، درس وتعلم في مدرسة ريفية متواضعة، وعندما نضجت فيه بذور الرغبة اقترن من إحدى قريباته، وأنجبا على سرير الزوجية أربعة أولاد وبنتاً واحدة شقراء. غير أن الشيء الوحيد المصيري والمجهول معاً، أن السيد السارق، في وقت متأخر من إحدى ليالي الربيع الصافية، آن يكتمل القمر في استدارة منعشة ساطعة، وفي طريق العودة إلى البيت، مرَّ قريباً من البئر التي تتوسط أرض داره، نظر إلى الماء الذي كاد يلامس شفة محيط البئر الدائري؛ فرأى، ولم يحجب جسده حينها لا ضوء القمر البعيد ولا تموُّجَ سطح المياه الخفيف – كما لو في حلم خاطف صلب – لامحاً شيئاً غريباً مفزعاً، كانت الصورة مذهلة مرعبة: رأسه هو نفسه مقطوعة تتثاقل طافية على وجه الماء! لم يكن ما رآه خيالاً طارئاً من وهم منتصف الليل، ولا ظلال القمر السابحة كالأشباح على أفواه الآبار الريفية العريضة. كان حقيقة من دمٍ وعرٍ مفزعٍ امتزج ومياهٍ زرقاء ثقيلةٍ. حقيقة لا يزال أشباهه المعاصرون يخشون مجرد تذكرها ..»). كانت الجارية تسرد حكايتها الوحيدة، التي نقلنا معظمها للتو كما سمعت من بعض المتلصصين الذين نجحوا في تجاوز خط الرمال بدون عقاب حجري، بحركات من يديها وعينيها، بكلمات هي إشارات وجهها تهب لطيفة على وجه مليكها. تميزت الجارية بمهارة نادرة في عدم تكرار حركة أو إشارة أدتها من قبل، لئلا يمل الملك قط فيلجأ طرداً للملل إلى طردها حيث ترعى الجواري الحزينات بصحبة أرانب بنية مجنحة، ويجتر الجنود السائمون كوابيس أصدقائهم الجنود، وكي تتمكن هي من قول الحكاية بطرق لا يمكن حصرها فتخلق كل يوم إشارة أو حركة لا تشبه ما اصطنعته من قبل. ولأن الملك أصم بلا رجاء سوى اعتماده على عينه ليتسلى بفهم الحكايات وينجح في طرد الملل واليأس، لم يشك يوماً في صدق وغرابة حكايات سيدته الجارية. ومما لم تذكره الكتب الناقلة أن داخل المعبد ببغاء بداخل قفص كبيرة. قفص بداخله ببغاء معمرة تحت ريشها ورقة مدورة صغيرة بنية مصفرة، عليها عبارة ملغزة وحاسمة: «الجارية خرساء، ليس ثمة ملك»! غير هذا الذي خبأه أحدٌ ما تحت جناح الببغاء، كان الأخير يغني عبر مخروط منقاره الأحمر، دائماً أغنية واحدة، والأغنية لا تسمع إلى بعيون مغمضة: «لم أكن الببغاء. كنتُ طائراً عمره ألف عام. كنت اسماً من لون حزين. طائراً وحيداً كنت مثل كل طائر، وحيداً في سبعة أقفاص زرقاء». ثمة كلمات أخرى لهذه الحكاية، لفظها أحد جنود الملك قبيل رحيله، أحد جنود الملك المنفيين إلى حياة الأشجار، فكتبها فيما بعد شاعر مغمور عاش طويلاً مثل الببغاء، لكن ليس في قفص أبيض كبير، بل على خيط واهن في ظل يشبه النور، ثم ألقى بنفسه في الصحراء رغم كل التحذيرات والمخاطر التي أعقبت فعله الحماسي ذاك، لكنه كان مدفوعاً بغاية حسبها تستحق حياته كلها، وهي البحث عن ملك في الصحراء! رغم أن الهدف أحياناً لا يكون بالأهمية نفسها التي يوليها المرء عمله وكده، إلا أن مغامرة البحث تحتفظ بحرارتها طويلاً، وربما تفرح أجيالاً أخرى لن تدفعها الحماسة اليائسة إلى القتل ولا الكسل إلى عبودية عنيفة. «كانت الغابة سحر الغابة. الجارية كلمات من عشب وضوء، الملك غروبٌ طويلٌ قيده العشقُ إلى بهاء سيف ضئيل. والصحراء بلا نهاية هي الصحراء. خلف سور الأشجار الشفافة، بحبٍّ مجنون أتلفتُ عمري كله، خلف سور الأشجار». أغمض الفتى عينيه. لم ينم لكنه أغمض عينيه.)
السفير الثقافي.
٦/٩/٢٠٠٩
هاأنذا أهدي إليك
باقة من الأزهار المصبوغة
بالدم الأخضر ..
والشمس .
أنور محمد: حامد بدرخان في أعماله الكاملة. كتب بثلاث لغات ولم يكتب بلغته كان الشاعر حامد بدرخان 1924-1996 يعتبر أنَّ النثر والشعر يمكن أن يتعايشا في قصيدة كما في رواية. وكأنَّ أعماله الشعرية الكاملة التي صدرت مؤخراً بجهدٍ شخصي من (نازلي خليل) بعد أن كان قد فوَّضها بحق التصرُّف بعد موته في إنتاجه الأدبي وفي أمواله, وحتى في اختيار مكان القبر ومن يمشي في جنازته من الرفاق والأدباء والفنانين جاء تطبيقاً لرغبته وتنفيذاً لرأيه. لأنَّ شعره بالأساس هو ردُّ فعل مباشر على الأحداث السياسية التي يذهب ضحيتها الإنسان: تحت جدران حلبجة الشارع العريض الهادئ بلا صوت, ووجه ضمير البشرية المتفرِّجة بلا صوت.. هم كانوا خمسة آلاف ووراءهم عشرة آلاف حلَّت بهم ساعة النحس وجميعهم ماتوا، خمسة آلاف إنسان ونيف. لم يكونوا كلاباً بل كانوا خمسة آلاف وعشرة آلاف إنسان، لم يكونوا يحلمون بوهج المجد, كانوا حفاة الأقدام ونصف عراة.. النساء والأطفال ماتوا جميعهم. هطل المطر المسموم فوقهم ليس من ناطحات السحاب الأميركية بل من بغداد....!! أعرف الجلادين عبر التاريخ مثل نيرون وجنكيز خان وتيمورلنك ودراكولا...الخ, ولكن أحقر من هؤلاء هو صدام... صدام حسين. ص 499 وأنت تقرأ قصيدته هذه أو غيرها مما جاء في أعماله تشعر كم هو مشبعٌ بالسياسة, وكم هي ثورته عنيفة, وكم غضبه العقلي ضارٍ. لأنَّه لا يكتب بحسِّ الضحية, بل بحسِّ ومشاعر الناقد ضد وحشية الظالم مهما كانت قوميته أو ديانته أو طائفته أو حزبه: لا تسأليني عن عنواني أنا موجود في قلب الأرض ومجاري الأنهار وأمواج البحار, أسير بلا توقف لأنَّ جمجمتي مغروسة برمح الفجر. لقد ماتوا... سالازار, فرانكو, لون نول ومونتغمري. لا تسأليني عن عنواني.. أنا آتيك من الشمال, ومن الشرق, مثل الريح, مثل الرعد, مثل المطر والبرق مع غضبة الجماهير وصوت الشعب. مع ذلك فإنَّ أشعار حامد تكشف عن شاعر واسع الثقافة ذي اهتمامات فكرية وتاريخية, لكن نابضة بالحياة وليست جافة متخشِّبة, تصاحبها موسيقى إدراكية ترينا مدى تأثره وانفعاله النفسي وربَّما الجسدي, لأنَّه يكتب تعبيراً عن تجربة سياسية يومية, فنقرأ أصوات موسيقى تأثره ورؤياه التي تنساب من كلماته التي لا اصطناع فيها. بالعكس فالكلمة أو العبارة اللغوية عنده تجيء مادةً خاما فيها شيء من عامية وشيء من فصحى, لترسم الصورة النقية لرؤيته بعيداً عن الأناقة الشكلية التي لا يتقنها أو يجري وراءها. فهو بالأساس لا يُجيد اللغة العربية - تعلَّمها متأخِّراً عندما لجأ إلى سوريا وعاد إلى قريته «شيخ الحديد» فراراً من المعتقل التركي على يد معلم القرية «رشيد عبد المجيد», الذي سيصبح في ما بعد رفيقه وصديقه, وتقوم زوجته نازلي خليل، التي أصدرت أعماله الكاملة هذه على نفقتها الخاصة، بفتح دارها بحلب لحامد بدرخان وتحويلها إلى منتدى فكري وإلى مقرٍ لنشاطاته الأدبية والسياسية, بل دار ضيافة له ولأصدقائه وبعيار خمس نجوم. محكوم بالإعدام حامد بدرخان كان محكوماً عليه بالإعدام في تركيا, فقد أسَّس حسب ما جاء في مقدِّمة الأعمال الكاملة التي كتبها (محمد جزائر حمكو جرو) مع كلٍ من ناظم حكمت وعزيز نيسين وعابدبن دينو وصلاح عدولي وأستاذه ممدوح سليم الحزب الشيوعي التركي. وقد اعتُقلَ بعد أن ضيَّقت الحكومة التركية على الشيوعيين, وزجَّ به في السجن. لكنَّه وبترتيبٍ من رفاقه استطاع الهرب والعودة إلى سوريا - كان قد وُلِدَ في قرية شيخ الحديد عام 1924 إحدى قرى عفرين في الشمال السوري, لكنَّه غادرها مع أسرته وهو طفل إلى تركيا فدرس فيها إلى أن تخرَّج من كلية الآداب بجامعة استانبول - والهرب من السجن كان قد ترك آثاراً نفسية على حياته, فقد كان يتصوَّر أنَّ المخابرات تطارده, يتصوَّرهم في كل مكان, وكان يسميهم بـ(الخازوق): جاء الخازوق, ذهب الخازوق. وهم مثل الإقطاعيين ورجال العصابات: ربَّما تنام على الكوابيس المظلمة وحياتك مهدَّدة.. المافيا, أزلام الآغا, والشرطة السرية, والخونة من القوَّة السوداء, والذين يدمِّرون ثروات الشعب... معتقلات.. منفى.. وأعواد المشانق. ص 547. مع ذلك فقد اختلف عليه الأكراد؛ فمنهم من اعتبره ضدَّ كردستان - كان على خلاف كبير مع الشاعر الراحل «جيكر خوين» وقد شهدت شخصياً بعض فصوله في أكثر من لقاء جمعهما عملت على ترتيبه نازلي خليل, لتقرِّب من وجهات نظري كليهما - ذلك لأنَّه لم يكتب شعراً بالكردية, وكأنَّ الكتابة باللغة الأم هي دليل ولاء, مع أنَّه ترك عملين شعريين باللغة الكردية, صدر الأوَّل عام 2006 بعنوان (شيْيّهِ) والثاني في عام 2008 تحت عنوان (سَردورا جيْيانه), بالإضافة إلى خمسة عشر ديواناً باللغة التركية تنتظر النشر. ومنهم من اعتبره أكثرالكرد كردية - وهم الشيوعيون بسبب مواقفه الأممية /الكونية من القضايا الإنسانية: سأجمع كل مناضلي الأرض من رأس الرجاء الصالح إلى آخر ألاسكا. سأجمع كل الكوبيين والكوريين والفيتناميين وجميع الأحرار في العالم لمساندة قضيتي, وأضحي بدمي, وأقول لك وداعاً يا حبيبتي, فقير أنا.. ليس لدي ذهب ودولار, غنيٌ قلبي بعقيدتي, وأنا مؤمن...عنيد بالنصر, بالأيام الجميلة الآتية لنا وللعالم ص. 570 . مات حامد..عاش حامد, الأعمال الشعرية بالعربية - وهذا حلمه - قد صدرت, وأشعاره التي جاءت فيها وإن كانت نثراً خلا من الأناقة اللغوية, إلا أنَّها تحفر في الوجدان بسبب تلك الفرقة السيمفونية التي تستوطن شعره وتعزف موسيقا انفعالاته الميلودرامية العنيفة. الكتاب : الأعمال العربية الكاملة / شِعر المؤلف : حامد بدرخان الناشر : دار عبد المنعم ناشرون - حلب 2009 ---------------------------------------- مختارات من شِعر الراحل حامد بدرخان. جناحا جَبَل ٍأمميّ ضع رأسكَ على صدر الشعب على التراب ... ولا تستغرب . * وصيتي مكتوبة فوق يدي ليس لدى كاتب العدل . * لم أجلس مرة واحدة حول المدافىء التي وقودها دماء الأطفال ، ونارها رؤوس النسور . لم أقطف الزهور من الأغصان . أحب الحياة . والأبواب المفتوحة مُهابة . * والضوء يقصر قامات الرجال المتحركة كالديدان . قهقهات الطوابق العليا تزعجني من جميع الجهات . الريق في فمي كالمرهم . والدموع المخزونة ، المستورة تحت أجفاني كعناقيد الغضب . * لماذا لا ينصبّ دمي في أي نهر في العالم ؟ * لم أعرف المرايا قط .. سوى الينابيع الفضية . وركبت الريح ... * وفي المساء قصائد الشعراء تنساب مثل ثعبان على غرف العشيقات . * وأقضم الرخام والتاريخ ... وأكتب بيد نارية . * للبحر صدر مخيف ... الأمواج ترتفع مثل الجبال فوداعاً للأرض . * رغم كآبة العالم هاأنذا أهدي إليك باقة من الأزهار المصبوغة بالدم الأخضر .. والشمس . * أمسح خارطة الجوع من العالم وأفتح الباب وأقول لك أخيراً : في شفتي الظمأ الكوني لعصارة الثمار الجبلية ... حتى تحل عقدة الألم . * القطرات التي تتشرد من الغيوم تنزل إلى الأرض بصرخات مدوية تنقلب إلى الأنين وتدندن في أذن التراب .. والنبع . كنت كذلك .. قطرة بين البشر . * أنا " ابن الملايين " وواحد من هؤلاء الذين يمرون خمسة خمسة ، عشرة عشرة مائة مائة ... ألفاً ألفاً ... ويطلبون من الشمس عيونهم المفقودة . * الطريق التي تبدأ مني تنتهي فيك منذ قابيل وهابيل . * الذي يبدأ مني لا ينتهي في الجدار بل يمتد إلى المدن .. والبحار .. والقارات وإلى العيش ... * غازلت الفتيات في عمر الصبا عانقت الأرامل ضاجعت المتزوجات بعنف لا مثيل له ... وفتشت عن قاتل لوركا . * أرقص ... أرقص ... حتى آخر باستيل يتهدم . * أرقص ... أرقص ... للثانية الأخيرة ... المتبقية في حياتي وأعطي باقات الورود في لحظة مماتي .
المقاطع منتقاة من قصائد ديوان على دروب آسيا الصادر عن دار الحوار.
موقع ألف.
انور محمد: عشر سنوات على رحيل الشاعر حامد بدرخان. أعطى كرديته معنى ملحمياً. في مقهى <القصر> بحلب، والذي كان يجتمع فيه المثقفون اليساريون على اختلاف فرقهم، كان يجلس الشاعر حامد بدرخان شاعر كردي سُجن في تركيا بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي في العقد الخامس من عمره ذو وجه مليء بتقاطيع قاسية توحي كأنه وجه جبل، وجه قُدَّ من صخر، وذو حاجبين كثّين مبعثرين مثل أفكاره ترسل شظاياها نحونا نحن الثلة اليسارية التي كانت لا تزال في مرحلة الطفولة، فنخشى أن نجالسه، فيما هو المناضل الشيوعي الذي قضى سنوات في السجون التركية مع الشاعر ناظم حكمت مثلما أمضى بعض زمن مع الشاعر آراغون في فرنسا رفيقا وصديقا. كيف نتحرش به؟ ببراءة ليس فيها خبث ودون أن أستأذنه جلست إليه وسألته: هل صحيح أنك كنت سجينا مع ناظم حكمت ؟. لم يستغرب سؤالي كان يعرفنا، أجابني والدمع يلمع في عينيه هو دائما على بكاء، ان سمع قصيدة وأعجبته بكى، وإن رقص كان يرقص رقصة زوربا كما يرقصها أنطوني كوين ويبكي: نعم كنت سجينا مع ناظم حكمت. وكيف التقيت به؟. إنه أستاذي يقول حامد: علمني الكثير، اجتمعنا على اليسار، وعندما التقيت به كان مشروعي الشعري أمام عظمته مشروعا صغيرا، صوته وهو يلقي شعره عليّ لا تزال موسيقاه في دمي. كيف التقينا؟ أنا لا أعرف. هل نسيت أم أنك تعتبر لقاءكما لا يزال سرا؟ لم أنس وليس سرا، آسياي (نازلي خليل) المرأة التي نذرت لها حياتي لم أجبها عن هذا السؤال. ربما لم يحن الوقت. وأقول له: ماذا عن علاقة ناظم حكمت بزوجته التي كتب لها أجمل أشعاره؟ يضحك حامد: قبل أن أتعرف إلى ناظم حكمت كنت أعتبر أنه حرام على اليساري أن يحب وأن يعشق، حتى إنني كنت أعتبر أنه لا وقت لمثل هذه التفاهات. ناظم قال لي: وقود الثوري يستمده من عيني حبيبته، إذا كنت بلا امرأة تحبك فابحث عن امرأة. ثم كيف تصير شاعرا ولا تعرف امرأة تعشقها؟! اذهب.. يساري وشاعر ولا يعشق امرأة؟!! هل ننتحر وأقول لحامد بعد أن صرنا صديقين، وصارت المرأة التي عشقها تجمعنا نجتمع تحت شجرتها: تعال نذهب الى <كرديتك> فأنت متهم بقلة عشقك لها، بالبرودة. هكذا أسمع من الكرد. ويرد قائلا: وهل شقوا على قلبي؟ وأقول له إن الشاعر (جيكرخوين) وهو رمز شعري، عندما التقينا به أنا وأنت مرتين كان قد أخذ عليك نفس المأخذ، أذكر وتذكر معي أنكما عندما تصافحتما كما لو أنكما كنتما مجبرين على التصافح أياديكما كانت مترخية. ودون انفعال كان ينفعل يقول حامد: جيكر خوين واحد من أكبر الشعراء، هذه حقيقة أنا أعترف بها، لكن مشكلة جيكر خوين أنه بقي كلاسيكيا، بقي جبليا لم تشدّه التيارات الفلسفية ولا صراع الايديولوجيات رغم اعتناقه الشيوعية. وربما كان أكثر مني صوفية في حبه لشعبنا، لكن هذا لا ينفي عني أنا حامد بدرخان بأنني لست كرديا او أنني لا أحب شعبي. أنا لا أزايد على أحد. لقد تعرضت للموت، للإعدام في تركيا بسبب معتقداتي الماركسية. ألا ترى أننا نعيش في معسكر اعتقال، كأننا تحكمنا سلطة خرافية، قوى غيبية. يا صديقي يجب ان نؤسس لسلطة ثقافية، الأكراد يتضامنون ليس بشعور قومي. مرات بشعور عائلي، ومرات بشعور مهني، ومرات بشعور حزبي. أين الوطن الأمة؟ نحن جيل رضع الماركسية مع حليب أمه، لقد تمددت في دمنا، سكنت خلايا روحنا، وكان ثمن ذلك ان قامت السلطة وزجتنا في السجون بعد ان تعرضنا للموت أثناء التحقيق. اليوم صارت الماركسية زينة صار البعض يتباهى بأنه ماركسي. على ماذا؟. معظم الأكراد وجدوا في الماركسية خلاصهم، ذهبوا إليها عساهم ينجزون دولتهم. أنا لم أفكر بهذه الطريقة، أنا أردت ان أعطي كرديتي معنى ملحميا بحيث يتجاوز التاريخي الشخصي والفردي، علينا ان نعقلن الحس القومي فلا نصير (شوفينيين) هناك أقليات مثلنا تعيش فوق سطح هذه الكرة ولا تتمتع بحقوقها الإنسانية. ماذا نفعل؟ هل ننتحر؟؟ الى الآن لا نزال نفصل بين إرادتنا السياسية كأكراد وبين الضرورة التاريخية. ان دولتنا هي في المستقبل وعلينا ان نعشق المستقبل. يغتالون كيانهم يهدأ حامد، يشعل سيجارته وأقول له: سرت العادة ان يذهب المبدعون مهما كان جنس إبداعهم الى الاحزاب السياسية، هل أنت مع هذه العادة؟.. ليس كثيرا يقول حامد لكن يمكن الجمع بين المبدع والحزب شرط ألا يتدخل الحزب في نتاج المبدع، الفنان، فيربطه بحبال العقيدة. أنا من ناحيتي حاولت أن أبقى بعيدا عن الاحزاب بعد فراري من تركيا الى سوريا، ليس خوفا من الاعتقال او السجن. ولكن لأن الأحزاب التي تحكم لا تسمع إلا صوتها، وقد تسجل احزاب المعارضة إذا قررت ان ترفع صوتها عليها، هذا غير معقول. ثم إن المثقف او المبدع هو غير معني بالدفاع عن آراء حزبه إذا تعارضت مع آرائه بصفته مثقفا، وفي هذه قد تُذبح بسكين حزبك تهرب او تنجو من قضبان الحزب الحاكم لتموت بسكين حزبك المعارض!! أنت تدرس وتجتهد لتتخلص من عبادة الوثن، فجأة إذا بك أمام أوثان لا عد لها. أوثان أوثان أقول لحامد ماذا تعني لك هذه الأحزاب وخاصة اليسارية منها؟ ويرد علي وهو يشعل سيجارة من سيجارة ينفث دخانها بانفعال: اليسار العربي تسللت إليه أياد انتهازية، أياد جاءت لتصنع الفساد والهزائم، فصرت ترى يساريين ويمينيين متطرفين في أفكارهم لكثرة ما فرّط الحاكم بثروات الأمة. انظر إلى التاريخ الاسلامي.. الى حكام كانوا قلعة الأمة يحامون عنها (بشرا وحجرا) ولم يسرقوا أموالها مثل النبي محمد وعلي ابن أبي طالب. قد يكون للأول اكثر من مبرر بصفته رسولا لكن ما هو مبرر علي؟؟. معاوية سرق ووزع الدولة على أسرته. كل خلفاء بني أمية فعلوا مثله سوى عمر بن عبد العزيز، وكذلك فعل العباسيون. ونحن كأكراد في طيلة هذا التاريخ كنا وقود معارك، وأميركا في التاريخ الحديث هي أكثر دولة استفادت من الأكراد بوصفهم حطب معارك، وكأنه يستحيل على الكرد كأنهم متفقون على أن لا يصنعوا حالة كردية في الثقافة، في الفسلفة، في السياسة. شخصيتنا الكردية في المستوى الحضاري تكاد تكون غائبة إن لم تكن ضائعة. أنا وبرأيي وهذا الكلام قلته لجيكر خوين وبحضورك: فلنكتب بأي لغة، لكن ان نكتب كرديتنا ببعدها الانساني، بعذاباتها مآسيها الانسانية، ففي أي بلد نعيش لا يجوز ان نتجاوز او ان نتخطى وطنيتنا، علينا ان نشتغل شخصيتنا القومية بإحساسنا الوطني. الكرد اي مثقفوهم كأنهم يغتالون بتمزقهم الثقافي هذا كيانهم القومي.
موقع الامبراطور.
١/٩/٢٠٠٩
الشاعر فرج بصلو يقعد ويحكي لكم، ابقوا مع حكيه...
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)