١٩‏/٩‏/٢٠٠٩

سحبان السواح:العرب يستنمون مخدرين على مسلسل باب الحارة. لأننا شعب تعود أن يَكذب ويُكذب عليه. يَسرق القليل، ويُسرق منه الكثير. يُخيف من هو أضعف منه، ويموت خوفا ممن هم أقوى منه. شعب تربى لمئات السنين على أن يكون مهانا، ومستضعفا، وذليلا، ودون سند. لذلك كله يمتعه مسلسل كمسلسل باب الحارة بأجزائه كافة، يمتعه أن يجلس ليلا ليرى الكذب ويصدقه، يرى انتصار حارة شامية صغيرة على جيش فرنسا الذي قصف البرلمان حين لم يعد أمامه مفر من ذلك، وأذل الشعب السوري لمدى طويل، ومع ذلك يصدق عنترية معتز، وهدوء واستقامة عصام وقبلها في الجز الثالث أبو شهاب وفي الأجزاء الأولى أبو عصام، وشهامة أبو حاتم ويضحك على أبي بدر، شخصيات كرتونية تجعلنا نسترخي فنحن شعب منتصر "ماشاء الله علينا" ولا أحد يقدر علينا. كما حين لم يكن هناك تلفزيون، وحين يحكي الحكواتي قصة الزير سالم وعنترة وأبو ليلى المهلهل. كان رواد المقاهي يخرجون والنشوة تتملكهم، فهؤلاء الذين حكى عنهم الحكواتي منتصرون دائما على أعدائهم، وبالتأكيد سينتصرون هم كذلك على أعدائهم. من منكم يتذكر نصرا للعرب في عصرنا الراهن، من منكم يتذكر نصرا منذ استقلالنا عن الإمبراطورية العثمانية بتحريض من الغرب وتصديقنا لمقولة أمة عربية ووطن عربي. من منكم إلا وتحمس لنصر الآخرين الذي لم يستطع أن يحققه هو. ألا يعني هذا أن المحطات التلفزيونية التي تمول مسلسلا كباب الحارة أو غيره من المسلسلات المشبوهة، تريد منا أن نصدق ما يكتبه لنا كتاب لا يصدقون هم ما يكتبون.. ويقبضون مبالغ هائلة ثمن كذبهم، من أجل أن يجلس ثلاثمائة مليون عربي ونيف يتجمدون أمام شاشات التلفزيون يشاهدون الكذبة الكبرى ويحلمون بنصر قادم وقريب على عدوهم الصهيوني.. فما دامت حارة دمشقية انتصرت فلماذا لا ننتصر نحن أيضا. مع أنهم يرون النازحين والمهجرين يسكنون إلى جوارهم ويستمتعون معا بنصر حارة على جيش فرنسا العظيم. يكذب من يقول لكم أنه يشاهد باب الحارة ليكتب عنه، أو لينتقد، أو ليشاهد تفاهاته، بل يشاهده لأنه يرضي شيئا في داخله، كما الاستنماء تماما، يعطيك الحس بالراحة وكأنك قمت بفعل الجنس، وحقيقة الأمر أنت لم تفعل سوى استخدام خيالك ويدك لتستنمي وترتاح من احتقان طويل .. طال زمنه كثيرا. باب الحارة عملية استنماء جماعي يمتد من المحيط إلى الخليج، إلى العرب المهاجرين في أصقاع الدنيا، يستنمون كل ليلة وهم يشاهدون باب الحارة، ثم يذهبون إلى فراشهم وقد فرغوا شحنة كانت تضغط على أحشائهم. هي كذبة كبرى، تريح الكثير من الحكام العرب، الذين يرون أن كذب محطات التلفزة يساعد على تخدير شعوبهم ليستطيعوا تمرير صفقاتهم المشبوهة وشعبهم مخدر. هذا نحن ولنعترف؛ شعب مقموع، ومخدوع، ولا نستطيع أن نفعل شيئا، لذلك ليس أمامنا إلا أن نحلم مستفيدين من قصص خيالية يمكن أن تتحقق يوما .. أقول لكم لاشيء سيتحقق.. وليس من صلاح الدين جديد.
موقع ألف.