٢٨‏/٩‏/٢٠٠٩

إبراهيم حسو: شعراء على الطريق... اقـــــــرؤوا لهـــــــــذا الشـــــــاعر. رسم بالكلمات. محمد بيجو من الشعراء الشباب السوريين الأوفياء لقصيدة النثر , فهو لم يخرج عن آداب و أخلاق هذه القصيدة منذ انطلاقته المتبسطة في الصحافة السورية ( قصائد هنا و هناك في الثورة ) و (الزمان ) اللندنية‏ وككل المبتدئين لم يكن شاعرا استعراضيا فهو لم يحاول أن يكسر عظام اللغة مثلما فعل رعيل كامل من الشعراء الشباب و صاروا في خبر كان , ولم يفكر أن يفخخ أي كلمة و يفجرها أمّام المشاريع التجريبية العربية التي يشتغل عليها كبار الشعراء كأدونيس وغيره منذ السبعينات , و لم ( يجّرب ) قط الإطاحة بالمشاريع الشعرية الأخرى المتبارية , بحسبانه هو ليس متسابقا مع أحد , بل لا يستهويه أبدا الخوض في حرب كسر العظم الدارجة اليوم في المشهد الثقافي السوري . محمد بيجو يكتب الشعر بطمأنينة ملحوظة , و بأعصاب مشدودة , لا يعير اكتراثا بكل ما يصفه , تخمينا منه بأن الكتابة مثل تدجين طائر في قفص منزلي تنصت لغنائه و أنت في عنفوان حنقك , و ربما تكمن أهمية هذه الكتابة في أنها لا تضر أحدا سوى حائزها , حتى إن الشاعر نفسه لا يعرف إن كانت هذه الكتابة تعيد له الضحكة و الأمان كأي شيء آخر في الحياة .‏ في أغلب ما قرأت لمحمد بيجو اكتشفت جنسين من الكتابة هما: التيه في اللغة, و زحمة الأفكار و قد يكون ذلك نتيجة أن محمد يكتب الشعر دون تخطيط مسبق أو حتى وضع برمجة ( نصية ) للكتابة الشعرية, و هذه النوعية من الكتابة دارجة بين معظم الشعراء الجدد الذين يكتبون كتابة آلية تلقائية أو ما يقال كتابة سيلانية , وأعتقد أن الشعر السوري برمته منخرط في هذه الكتابة منذ انجلاء قصيدة النثر , والمتابع لهذا الشعر سيلحظ أن فترة التسعينات أفرزت الكثير من شعراء قصيدة النثر إلى الضوء, نتيجة التنويعات المتلاحقة لهذه القصيدة , بينما لم تخرج في الثمانينيات إلا أسماء يسيرة و هامة , و ما يهم في هذه الكتابة أنها تخلق فضاء آخر أكثر اتساعا, و مساحات لغوية أكثر طيرانا و حرية , و من يقرأ نصوص محمد بيجو المنشورة هنا و هناك و التي لم تستقر في ديوان بعد سيلحظ أن هذا الشاب يعاني من زحمة الأفكار و المواضيع التي يطرحها دون معرفة و إبصار شعري واثق :بغيمة و ظلال زاجلة هكذا قبل الآن‏ بغيمة غسلت وجهي بأجنحتي تلك‏ رفعت روحي كنخب كانت من خضرة ورنين‏ وكنت كما الآن .... زاجلاً‏ بعينين من ماء و جسد من ريح‏. في قصيدة لمحمد ( بغيمة و ظلال زاجلة ) ثمة سيلان سردي ملفت , أو ما يشبه قصا متقنا وكثيفا جدا لحالة نفسية حادة و صاعقة , و تكاد تكون هذه الحالة هي التي تبرز الجانب الشعري من كل هذا القص , و قد يكون هذا السرد ما يبرر للنص شعريته, و يجعله أكثر مواجهة لهذا الجمال المختفي بين أثلام المفردات التي تنبسط هكذا دون حدود ودون أسوار , و قد يأخذ هذا السرد شخص القصيدة إلى مختبر آخر للتجارب اللغوية , لا يرجع منها سالما , فهو غير متأهب ليغامر بقصيدته إلى متاهة نثرية غير معلومة النتائج , بل لا يستطيع أن يحارب من أجل كلماته, طالما أن الكتابة لديه كتدجين طائر منزلي , إلا انه ومع ذلك يمتلك كل العناصر الشعرية التي يمكن من خلالها تأريخ الصور و تقطير الجمل الشعرية و رفع المعاني الجديدة عبر لمسة إبداعية حديثة :‏ كلّما فرشت على الأرض قمراً‏ كان الطريق يصعدني و يمتدّ ..‏ أنا الرثاء .. في المديح.‏ اقرؤوا لهذا الشاعر و لا تصفقوا له , فهو جاثم ينتظر و يراقب الشعر من بعيد مصوبا قلمه إلى عصافير الشعر وهي تخرج من أوكارها فرادى , رابض في قصيدة تصحو كلما هبت الحياة فينا , منتصب في كل كلمةٍ تستنكفُ رأسها كلما دبّت نارٌ ما بمفاصل القصيدة , فنهرع مشلولين لقراءة صحوتنا من جديد , اقرؤوا لهذا الشاعر دون أن توقظوه من قصيدته التي لا تنام أبدا .‏ العاشق‏. لأنك من دلّك عليها خلقت أعشاب في رئتيك‏ وجفّ الكلام أمام امرأة قرأت عينيك كانت أجراسها تناديك‏ و هي تقلب القلب تشعل خواتم روحك ثم تختفي‏ وما زلت تختار شارعاً كلما سقطت عليك سهواً الرغبة‏ وتنسى النزيف حينا لا لقاء كأعمى يفسّر الحروف‏ تكحّل أشواك نظراتها بعينيك.. !! كأنك مصاب‏ على وريدك امرأة تزدهر تسقيها حواسك‏ تحترق ثمارك على أغصانها و لا مشوار يلهمك بالشوق‏ فتبكي على النساء كالنساء ... !! تلك الجديدة تنبأت‏ بموتك القديم فاح منك الأنين قلت: الحياة مركب لا يصل‏ قالت: لا أحيا لك ولولاي ما كانت لدمك أكواخ‏ تحرس فيها أنوثتي رئتاك ألم وأنفاسك ألم‏ تبحث عن يدي بين يديّ ترسم لقلبي أسوارا‏ وتنحني له كعطر علّك تنسى بأن لك فضاء‏ وعليك أن تطير على سرير أو شمس‏ - إذا أردت - هطلت روحي أمام البيت‏ سألت الباب : من أنا يا باب ؟‏ وهل المواعيد باقات من شهيق‏ و زفير ؟ فرحت حين فتحت لي‏ وضوءا يسيل من أطراف يديك‏ قدماي لا تلامسان أرض قدميك‏ لا ظل لي حين أكون حافيا كغصن أو مسافة‏ لا قلب للغياب أحتضر بعدك‏ أشبه الخطيئة وأنت تضحكين لي أو لغيري‏ كأننا شيء من وشم حزين‏ ما أكثرك من امرأة .. أنت برق وقلبي الأرض‏ المسيني لأطير أو ليتصاعد الدخان‏ خبئيني ... أنا خائف من الليل و لم أنهِ شعرك بعد .‏
الأثنين 28-9-2009
جريدة الثّورة السوريّة.