٢٢‏/٩‏/٢٠٠٩


الشاعر السوري عبد المقصد الحسيني لـ(الزمان): استعادة الذاكرة مثل تحرير رهينة من قرصان حوار: جوان تتر.
الشاعر السوري (عبد المقصد الحسيني) منذ سنواتٍ قديمة يدوِّن قلقه وشغفه بالدّيوك المتصارعة، لقصائدهِ رائحة غامضة وعوالم متخفية أو بالأحري (هو من يخفيها كساحرٍ)، قصيدته تنجذِب في أغلب الأحيان إلي دائرة اللّا معني لنقف حياري لا نعرف درب الخروجِ من القفص (قفص اللاّ معني) وإن حصل وخرجنا تبقي كلماته في الذّاكرة التي تجتهِِد عبثا العثور علي المعني، أصدر إلي الآن شعرا (حارس الهواء) و (مآتم النسيان) و (المهارش) وفي مجال الرواية ثلاثيته التي أنجز منها الجزء الأوّل والجزء الثاني والمعنونة ب (حجّاج العتبات الترابيّة) أمّا الجزء الثالث فهو قيد النشر، عن الشعر والرواية والغموض كان هذا الحوار :التذكّر كان حقيقيا في الماضي وأصبح عالما وهميا الّلحظة، التذكّر إلي أي مدي يؤثر علي الكتابة عند الشاعر، كيف تعامل الذاكرة؟
ــ إستعادة الذاكرة بأقاليمها.. و فصولها و شخوصها عملية مرْهِقة مثل تحرير رهينةٍ من أيدي القراصنة، أفرش الذاكرة بوحوشها المتفرِّسة أمامي
وأنبش كعالِمِ آثار لأحصل علي جوازٍ لتدوين مانهِب، الذاكرة لدي مغتصبة منذ الأزل ومرهونة، عليّ أن أقتل حرّاسها ومن ثمّ العودة إلي مقتنيات الروح لنمضي معا سهرة في تجميل العتمة.
û تحت مسميّاتٍ عِدّة كتب شعراء كثر،مارأيك بالتصنيفات الشعريّة؟
ــ التصنيفات الشعريّة مثل موديلات قصّْ الشعر الآن، لا يهمني سوي الإبداع، تلك المسمّيات قد أزيلت بفعل عوامل الحتّ والترسّب، ولكل فصلٍ مسميّات وقراصنة، لم نستطع أن نواكب تلك التصنيفات لأن ذاكرتنا كانت ضعيفة ومترهلة، ومن نتائج التطوّر الاقتصادي أنّها أمْحتْ التصنيفات الجميلة لدينا منذ القدم وازدهر سوق عكاظ في التاريخ.
û أنت تكتب الرواية إلي جانب الشعر،إلي أين وصلت في مشروعك الروائي؟
ــ أخون حالتي، لكنني أجدِّد العزيمة علي مواصلة الجنون، أحيانا أبقي لقيطا مرهقا في السرير، فأتجه إلي الرواية، أنجزت الجزء الأول والثاني من الثلاثية (حجّاج العتبات الترابيّة) والجزء الثالث قيد الإعمار والترميم وبحاجة إلي ترخيص من البلدية (يضحك)، في المشروع الروائي أعلِّق روحي علي المشجب تحت أشعة الشمس لتتجدّد الخلايا ولتفرّ الجراثيم، في الرواية خيالي منتحر من كثرة الأساطير الموجعة والحكايات المحرّمة ولكنني أعود إلي القصيدة حينما تفور الشهوة علي البياض، النص الشعري أحبّ إليّ إن كان خيالي يتجوّل أمامي طليقا.
û لماذا الغموض في كل كتاباتك؟
ــ للغموض شهوة، وشهوة الروح تكْتب علي البياض فلا بدّ من الوقوف بإجلالٍ واحترام أمام تلك الحالة، الغموض ليس طلاء جدار معبد أو بيت إنما حالة طبيعية، فلكل إنسان حالته وظروفه، الغموض ليست عملية قيصرية بل حالة أمارسها في الحياة، الغموض لذة مقدّسة في النص ولكن القارئ الرّاهن كسول ومترهل الذاكرة والوعي، علينا إعادة تأهيل الإنسان الحاضر وتنمية روحه بالثقافة عِوضا عن ثقافة الأعراس والهاتف النقّال كي يستطيع إكمال الحياة.
û في المشهد الشعري الراهن نلحظ وفرة من الإصدارات الشعريّة برأيك هل يعكِّر ذلك المشهد الشعري أم هو دلالة علي النضج الشعري؟
ــ المشهد الشعري كسوق الماشية، وفرة الإصدارات الشعرية ليست مصدر صحوةٍ، إنما عراك علي البياض بدون فائز، الخاسر الأكبر هو الإبداع، هناك انقباض في الحالة البشرية نتيجة الكوارث التي تتفرّس البشر، فالمشهد الذي تدّعي سراج ضرير لا يري البياض، يبقي الإنسان حائرا مهبولا يتفرّس لعابه لأن حقل الثقافة يتصحّر بمعونة ملّاكي الإستثمارات، المشهد مخيف يستند إلي مواثيق مزوّرة وشخوص ضبابييّن.
û حدِّثنا عن ذاتك الشعريّة؟
ــ ليس الشعر عملية تربويّة، بل حالة ميتافيزيقيّة، لذا أبحث عن ذاتي فأجدها خارج السرب، أنقِّش فضائي بأحلام اليقظة اللقيطة وأرتمي علي ظلي النحيف لكي لا أزعج الموتي وأدوِّن شهوة القدر، نفترق أحيانا لنعيش طلقاء، فأنا كالعرّافة علي صهوة البياض ولا أبخل علي الروح بالمهدِّئات كي أفرش الصباح النقيّ أمامي.