٦‏/٢‏/٢٠١١

إن قصة كلاب المصايف ليست قصة وهمية، ولا هي خيالية ورغم ذلك لم أرها بعيني، بل سمعتها من شخصين، فالاول يدعى صلاح بك رمضان من بلدة الزبداني، والآخر يدعى داوود أفندي من أشرفية القنيطرة.جرت العادة منذ القديم، أن تأتي الأغنام من كردستان إلى سوريا وفلسطين وقد تصل إلى مصر أحياناً، إن اغنام كردستان تلقى رواجاً في أسواق تلك الدول، كانوا يطلقون عليها، الاغنام البنية.جاء تاجر ذات مرة مع اغنامه من أرضروم إلى سوريا، وبقي فترة في الزبداني، وقد كان الشتاء قاسياً في تلك السنة، حيث تساقطت الثلوج بكثرة، ولم يستطع التاجر أن يخرج بأغنامه من الزبداني، لذلك اضطر أن يبيع أغنامه في البلدة إلى مضيفه، وكان مع التاجر كلب المصايف يحرس الاغنام من اللصوص والذئاب، تثاقل المضيف على ضيفه وطلب منه الكلب أيضاً، خجل الضيف أن يرد مضيفه خائباً، فقدم كلبه الرصاصي اللون الكبير الذي يرد الذئاب عن القطيع، وعاد إلى وطنه ارضروم.كانت الغابات والادغال التي تحيط بالزبداني في ذلك الوقت، مأوى الذئاب والوحوش ولبعض الحيوانات البرية الأخرى. وكانت الذئاب بدورها لا تدع أغنام البلدة ترعى بأمان. . . وبعد أن ظهر كلب المصايف هناك، لم تتجرأ الذئاب والحيوانات المتوحشة الاقتراب من القطيع كبر الكلب وشاخ بعد عدة سنوات ولم يستطع أن يرد الذئاب عن القطيع . اجتمعت الذئاب ذات مرة على كلب المصايف بين الغابات والادغال، وكاد أن يودي بحياة الكلب، وعندما عاد الكلب إلى البيت رأه صاحبه الجديد أن الكلب ملطخاً بالدم، مثخن الجراح، ومازال الدم ينزف من جروحه، غضب صاحبه كثيراً ثم ضمد جراحه.ضاع الكلب في اليوم التالي، فتش صاحبه عنه كثيراً لكنه لم يجده، قال لنفسه: ربما مات في مكان ما بجروحه المتقيحة.فجأة وجد صاحبه أن الكلب ظهر ثانية بعد شهرين، لكن لم يكن وحيداً هذه المرة، فقد جر معه كلبين آخرين أكثر قوة منه، كانا يشبهان الكلب العجوز تماماً حتى أن لونهما يشبه لون الكلب العجوز، فرح صاحبه كثيراً، ولو كان لديه اجنحة لطار من الفرحة. نحر الرجل خروفاً لضيوفه الكلاب ، ووضعه أمامهم.استراحت الكلاب الثلاث في تلك الليلة، وفي الصباح الباكر تقدم الكلب العجوز ووراءه الكلبان الضيفان القويان إلى مأوى الذئاب، حيث الادغال والغابات ـ يعلم الله أن لهذه العملية حكمة.اتجهت الكلاب الثلاث إلى الوديان... إلى مأوى الذئاب... تقدم الكلب العجوز إلى الوادي وحيداً، وتأخر الاثنان ينتظران. هجمت الذئاب على الكلب العجوز... فجأة انطلق الكلبان القويان كالبرق إلى الذئاب ـ يبلغ عدد الذئاب /50/ ذئباً ـ وبدأت المعركة، معركة حامية، وأخيراً تغلبت الكلاب على الذئاب وخاصة القويان... كانا يرميان الذئب تلو الآخر طريحاً... وثأرا للكلب العجوز. ثم عادت الكلاب إلى البيت، وكان الدم يسيل من أفواههم، نحر الرجل خروفاً آخر بفرح وفخر.بعد عدة سنوات من تلك الحادثة، جاء الارضرومي إلى الزبداني ثانية، وروى له الزبداني قصة كلبه بفخر واعتزاز.قال الارضرومي: نعم، كل مارويته كان صحيحاً، لأن الكلب عجوز، لايستطيع أن يتغلب على كل الذئاب.وفي يوم ما ظهر جروان للكلب، ثم اختفى الكلبان القويان، وقد كان القويان أولاد كلب المصايف، وبعد ثلاثة أشهر مات كلب المصايف العجوز وبقي الجروان .
مجلة هاوار العدد /52/ السنة 1943 الصفحة 9، 10.
كلاب المصايف: قدري جان
اللوحة للفنان بهرم حاجو