٢٠‏/١١‏/٢٠١٠

لا يعرف الآن كيف قدمت مينانا وجلست بجواره وكانت طاولة أمامهما ومع مينانا كانت صديقة لها، يذكر هنا أنّ صديقة مينانا كان لها شفاه حمراء مثل الدم وربّما أكثر. جدار المدرسة التي أقيم فيها المعسكر كان أيضا أصفر وكانوا في الصيف والصّيف أصفر وبشرة مينانا صفراء وشفاه صديقتها شفاه حمراء كالقرمز والدم والرحيق لمن يحبّ وصديقتها تلك ذات الشّفاه بعدئذ بسنواتٍ أصبحت مثل مينانا طالبة في معهد اعداد المعلّمين في القامشلي ومن الصّدف الغريبة جدّا أنّه هو قصّ لهنّ عن نفسه، حيث كان هناك فتيات أخرياتٌ حول الطّاولة في غرفة الإذاعة، قصّ عن نفس أنّه يخطط أن يدرس في المعهد ذاك؛ وحين استصغرت احداهنّ طموحاته، برّر لهنّ الأمر أنّه شرف ورسالة له أن يدرّس التلامذة في الابتدائيّة بعد تخرّجه من المعهدِ. ولم أفعل، ولم أفهم ولم أعرف لِمَ افترقتْ صديقتك عنك ولو أنكما لكما نفس الطريق يوميّا. وانا ابن كاسيت سميح شقير الذي أتيت به لنستمع سويّة إليه في غرفة الإذاعةِ وليستمع إليه برفقتنا كامل المعسكر؛ لكن صديقي جمعة كان أسرع منكِ وهو أتى بالكاسيت نفسهِ وهكذا لم تقرّبي يدك لتعطيني الكاسيت. ومينانا كان لون بشرتها يميل إلى صفرةٍ ما وبعدئذ ربّما بعدّة سنوات اكتشف لدى قراءته لرباعيّات الخيّام أنّ البشرة التي تخالطها صفرة تعتبر تميّزا وتعتبرتفرّدا محبّبا وجذابا، وقال لنفسه، بدون أن أعرف، اخترتُ البشرة اللطيفة لأمارس حبّ صاحبتها. كان يعاني آنذاك من مشكلة كبيرة، فهو من جهة كان متيقنا من حبّه لمينانا ومن جهة أخرى كان يشعر بشهوة واضحة وفتاكة حين كانت تقترب منه. أفكاره عن الحبّ كانت طهرانيّة، من نحبّ لا ينبغي أن نمسّه جنسيّا، هكذا فكّر طويلا وصرّح لصديقه أيضا بأفكاره تلك، دون أن يساعده صديقه بشيء معقول في هذا الصّدد. حدّق في مينانا طوال مدّة المعسكر وخاصّة في بدايته، كان ينظر إليها بدون أن يغض النظر في كلّ بقعة من بقع المعسكر، وحين كانت تمرّ أمام نافذة غرفة الإذاعة كان يطيل إليها النظر والنظر كان صديقه أو كلبه السلوقي، يرسله على دروب مينانا. حتّى وقفت مينانا ذات مرّة وقالت في نفسها: مَن هذا، أو ما هذا، ابن مَن هذا، من هذا الكائن بنظراته السلوقيّة! أمّا قلبه فكان هوأيضا سلوقيّا وفمه كان يثرثر ككلب سلوقيّ والكلبُ السلوقيّ كان ينتصب في أسفل شهوته حين يحدّق هكذا إليها، إليها وفقط هي، هاتوها، هاتوها؛ لي، لي.  هكذا قال لكلابه السلوقيّة، ومينانا قالت: آخ، ابن مَن هذا، لماذا ضرب الهوى على هذا الشّكل. وحين أسندت ظهرها إلى عمود الممرّ الأصفر وانتظرت وهو وقف أمام الباب، باب غرفة الإذاعة ونظرَ إليها كعادته، فإنّها ابتسمت له ابتسامتها الأولى. بعدها غيّر اسمه، أي بعد أن حصل على ابتسامةٍ منها، غيّر اسمه وصار هو نفسه مينانو. قل لي مينانو، مَن أنت، هكذا سألت مينانا. أنا ابن جسر الخنزير وابن شاي العصر الذي شربته ولم اطق أن آتي إلى المعسكر في اليوم الأخير، بل جلستُ في مقهى سلوكرو. ولم يذهب إلى المعسكرِ في اليوم الأخير منه، قال لنفسه، لستُ أطيق الوداع وإنّما في أعماقه لم يكن يطيق فكرة أن تقدّم مينانا مع صديقاتها باقة من الورود أو هديّة من هذا القبيل لمدرّب التربية العسكريّة. كان يشعر بحنق في نفسه فيما يخصّ يوم الوداع. أو كان له الأمر كلّه بعد يُحسب من الغوامضِ. عمله في إذاعة المعسكرِ جلب له أن يرى مها ثانية، مها ذات الشّعر الأسود، الأسود الطّويل، المشعّ. وهي كانت تتوقع منه أن يباشرها بكلمات من شعرٍ، فيه غرام وهيام. ولكنّها لم تتفاجأ كثيرا حين أدركت أنّه يقدّمها على طبقٍ لأحدِ أصدقائه؛ مها كانت تعرفُ صديقه هذا جيّدا وكانت لا تبادله قطّ التحديق الطّويل، بل أخبرت بعضهم أن يقولوا له أن يكفّ عن مطاردتها كفا مطلقا؛ لكن صديقه كان قد بلغ الحبّ به منزلة، لا يقدر بعد النزول منها. حين حضرت مينانا إلى غرفة الإذاعة، لم يكن يصدّق تقريبا أنّها مقتربة منه هذا الاقتراب؛ ظنّ نفسه في حياة أخرى، حيث كان يعتقد أنّ هذا غير ممكن على الاطلاق. وكان هناك في غرفة الاذاعة طالبٌ آخر، وطموحه كان أن يصبح وزيرا للدفاع. لا يعلم الآن شيئا عن ذلك الطّالبِ. طبعا كان قد أوقع هو أيضا مينانا في أن تحبّه وتميل إليه. وأنا الذي ضيّع الفرصة التي وهبتها له ذات يوم من أيّام المعسكر، حين أقفلنا راجعين في ذلك الصّيف على الشّارع الرئيسيّ وانفردتِ عن صديقتك لتمنحيني فرصة أن أتحدّث معكِ. أنا ابن بشرتك في معسكر الصفّ العاشر، أنا ابن شرمولا، قال مينانو.
عبدالرحمن عفيف : ابن شرمولا
اللوحة للفنان دلدار فلمز.