٢٣‏/١١‏/٢٠١٠

حفروا في كتفيِّ العاشق، في اللحم، وزرعوا فيهما شموعاً موقدة ـ تقول الحكاية الكردية. والشموع، بعامَّة، تبدد الظلام. الشموع نور، وتطهير لدنسِ المعتم. الاحتفاء بالبرهة الرضيَّة، في عرف الآدمي المستوحش من عتمات الطبع والطبيعة، يستوجب وَقْد الشمع ذي الفتيل، في الليل أو في النهار؛ في مكان معتم أو مضاء بمصابيح الصواعق الثابتة أو بصواعق الزيت. الشمع الملتهب حيَّاً، ذائباً دمعةً دمعة من استئناسه بالنار، صورةُ الرغبة في إدامة ما هو خليق بالإدامة: الضياء، أبداً، بلذة أن تنمحي من أجل يستتب له ـ للضياء ـ مقام الأكيد الطاهر. شموعٌ غُسْلٌ. هكذا ورد العِلْمُ بحقائقه في صحائف الأولين، والآخرين.هو مُوْمُ العسل مرَّة، أو شحم حيوان مرة أخرى. والشَّمَعُ يعني التفرق، فإذا اختص اللفظ بالسراج غدا على معنى السطوع واللألأة. وفي خصيصة لفظ الشمع مقامُ المزاح واللهو. فالشَّامع هو المازح. والشَّموع من النساء الحسنة الحديث، الطيبة النفس، المزَّاحة، في قول الأزدي الصحاري، وهي في المناهل المرأة الضحوك، اللَّعوب. فإذا أدركنا اقتران الشمع، أساساً، بالموجب فيه من اللهو، والمزاح، والانبساط، والترفية، وكلها حواصلُ لذِّيَّةٌ، وسِعَنا أن اختصاصه في القيام بمصاحبة الناس، بعضهم لبعض محتفيْنَ، هو سِرُّه، وسحره، وتمام معناه، إلاَّ ما يقتطعه الطبُّ لنفسه منه كمادة إذا خُلطت بدهن الزنبق، وطُلي به الوجه، زاد حُسْنه، وذهب عنه الكَلَفُ.بَرَكة الشمع إذاً بركة المتعة، بجلاء الحيِّز نوراً من وجه، واستقبال المؤانسة، والإمتاع في الجالسين إليه من وجه آخر. فما الذي ألهم شاعر الأكراد العريق الملا أحمد خاني أن يستنزل الشمع إلى مقام العذاب، ويُبكي شعباً كلما انحدرت قطرة ذائبة إلى جرح العاشق "مم"، حبيب "زين" الشَّقي؟.
سليم بركات
اللوحة للفنان نهاد الترك.