١٦‏/٢‏/٢٠١٠

محمد عفيف الحسيني:
بناتُ آوى، التي لاتشبه المزحةَ
الريشُ

مخدةُ من ريش البطّ الطائر، بغطاء من صوف الأردن؛ تستند المخدةُ على جلد إيطالي، وخيال لأخوة في السويد، واقتراب كثير، مثل الأنفاس الدافئة، الحنونة الصعبة البرتقالية التي تتألف من الشهيق والزفير، والبعض من أناملَ طويلةٍ للأخت الكبيرة ـ الأخت الجينز، الأخ الصغير الذي يشبه شيطاناً صغيراً.
مخدة من الريش، مابين طيران البط، وبين المستنقعات، حيث يركد الماءُ، الذي فيه الفلسفة، الطحالب، القناديل، الغموض، زجاجات بيرة السكارى، مفاتيح شقة أحدهم، الندبة الصغيرة للطفولة، نعيق الغراب؛ ريشه الأسود الزاهي بالفجيعة والتفاؤل، ومخدة يستند عليها إثنان من فصيلة بطات السويد: نوروز، وميتان.
في الصيف، تنام البطاتُ في غوتنبورغ، بجانب روحي. بجانب المخدة تنام أرواح البطات.
القطنُ
الجينز، هذا المنسوجُ السلسُ، هو من ابتكار خيال القطن. يرشّون بذورَ القطن الخشنة، على الأرض الخشنة، يحفرون المجاريَ، لمرور الماء المبارك اللين على البذور القاسية، فتنتش، فتنتفخ، فتحبل، فتولد شجيراتٌ قزمة قوية هادئة مليئة بأكواز من الأبيض المتفجّر، الذي يتفتح، وينتظر أصابعَ الفقيراتِ الرهيفةَ الماهرةَ، في سَحْب القطن من بيوتاتها الوديعة؛ فينسحب القطن، يتكوم في شالات كبيرة، تجرها القرويات الفقيرات إلى الساحة، وهنَّ يتحدثن بلغة التورية، عن فائدة القطن للدورة الدموية، وعن شد القضيب به عند الاعتدال، وعن لفِّ الميت بالقطن، عندما يغيب في الأبدية، وعن مسح جرح الجريح في الشمولية، وعن الأصابع عندما تُدمى في حركة طائشة من سكين رهيفة، وعن مسح شاشة الكومبيوتر، عندما تتراكم عليها الأغاني، المنفى، السبات، والبقعة الحمراء من نبيذ مرتبك.
القطن، هو جينز ابنتي نوروز، وهي تداعب أخاها ميتان. هو جينز من كل هذا القطن الشريف.
الجلدُ
تخور الأبقارُ؛ تخور بهدوء، تراقب المارة في القطار، تجتر الآفاقَ الخضراءَ، تمضغ البرسيمَ، السماء، السحب القليلة، والشمس المائلة على جلودها الدافئة، وتمضغ أنها ستُذبح بعد كل حليبها وعجولها الطائشة. يأتي الذابحُ، ليذبحَها، فتخور وتخور، لكنْ، السكين الرهيفة، تجتز رقبتها بمهارة وبسرعة، يشخب دمُها على خيالها القتيل، يفور حاراً كثيفاً كثيراً، صعباً، أليماً، ومذبوحاً.
تًسلخ الأبقارُ، يُعالج جلودها بالملح، تعرض للشمس، تحكّ بآلات ناشفة خشنة، يرش عليها قشور الرمان المطحونة، وبعضٌ من ذاكرتها: أنها كانت من الكائنات، ثم يفرك بسمن الضأن الثقيل على جلودها، لتتمرن على الليونة، تذهب الجلود إلى الدباغة والألوان، تصطبغ باللون الخمري النبيذي، فتتمدد عليها: نوروز وميتان. هما بين الريش والقطن والجلد، يتمازحان.
المزحةُ
بأصابعها الطويلة، تمسك الأختُ بفكِّ أخيها، تضع حنكَها على رأسه، وكأنها ستعرف الهجرانَ عنه، والغيابَ، ثم سيأتي النسيانُ، سينسيان الريشَ والقطنَ والجلدَ؛ سيسمعان، فقط، عواءً أخرسَ، وحيداً، هو عواء الحدود.
بناتُ آوى، هي نباتاتٌ لاتشبه المزحة، هي نباتات، لاتشبه إلا نفسها.
شتاء غوتنبورغ، 2010