٢٦‏/١٢‏/٢٠٠٩

عبدالرحمن عفيف: على ظهور الجمال. بعد الانتهاءِ من صلاةِ العشاءِ. الشّعراء السابقون كانوا متدينين، يصلّون، يصومون، يذهبون على ظهورِ الجمالِ إلى الحجّ. كانوا لا يسمحون لأنفسهم أن يقعوا في عشقِ أرضيّ وإن فعلوا، فإنّهم كانوا يحيطونه بالرمزِ. مدينة ميلادي هي قطبُ الرّحى، الجسرُ من الاسمنت الذي عليه غبارُ الصفّ العاشرِ هو دربُ حجّ الحبيب؛ دكّان علي بيك هو مَن جعلني معلّقا من حبّي كأنّني مسمارٌ مصدّأ، بغير حبّ منذ الفجر. الملاّ الجزيريّ: شاعرٌ ما، كان ملاّ في الدّينِ، يصلّي بانتظام؛ يفيق في الصباحِ الباكرِ جدّا – انظروا معي – الصّباح الباكر جدّا هو فجرٌ، هو شفقٌ، هو أن تكتبَ الشِّعر في الظّلام. كيفَ سأتعلّم كتابةَ الشّعر في الظّلام!؟ يكتبُ الملاّ الشّعر في الغسقِ أيضا. فكّرَ الملاّ الجزيري طويلا ولم يكن قد زار القامشلي. أيّ حجّ على ظهور الجمالِ وحبيبتي تسكنُ على ضفّة ” الجغجغ” ولا أتمكّن أنْ أراها إلاّ في معسكرِ الصفّ العاشرِ، والغبارُ الذي يلفّنا هو ما ثيرهُ الحصّادات التي شمّرت عن عضلاتِ دواليبها. – لا نرى الغبارَ في الشّفق، نرى شفةً تتكلّم إلينا بدون كلماتٍ، لا نرى الشّفة أيضاً، نحسّ أنّنا نراها. كذلك في منطلقِ الفجرِ، لا نرى الغبار، ليس ثمّة غبار على الجسر، والحبّ الذي تحدّث عنه عشّاق المدينة لم ينبس ببنتٍ نقع أو لا نقع في ذاكرتها. بالطّبع الآن صيف ومن لوازم الحبّ الجسرُ الذي عليه غبار، الطّريقُ الذي يفورُ، التخلّف الذي هو من نصيبنا فقط، النّظر الطّويل. آخ، على ظهور الحصّادات هناك الحمّالون والطّباخون والمستهزئون والذين يعرفون شعر الملاّ الجزيري عن ظهرِ قلبٍ، وقلبهم يتلوّع من حسرةِ الشّعر. يذهبُ الفجرُ بلا طعم حين نكون نياما، الغسقُ لا أهمّية له إن لم نعرف أنّه غسق، وإن لم ننظر ونرى أنّ المكان الذي نعيشُ عليه هو ليس المكان الذي نعيشُ عليه. نعم، كانوا شعراء بكلّ ما في الكلمةِ من غسق وشفق وفجر، بكلّ مسيرِ الجمالِ إلى الحجّ.

أنا مرور قرب بحر وحيد شرفة على ساحل ممتد تتموج أحاسيسي مثل الأمواج تحت سفينة شراعية أنا تل حجري يدي قبضة ماء بيضاء اعصابي هادئة مثل نورس نائم افكر في سفينة ستظهر قريبا افكر لو استطعت ان أهجر مكاني الحالي هجرانا أبديا حتى دون أن أترك أية ذكرى *** لم يطر أي غراب وكل شيء أبيض يذكرني الثلج بجناح يطير من كنيسة الى واجهة سيارة تكافح انه يوم جديد كان يوميا قديما فجدده الثلج كنت شخصا آخر فغطاني بشذراته الخفيفة العام مضى تقريبا وأنا تقريبا عام جديد ** فالأرض بيضاء ثلج هطل ليلا كنت نائما والستائر مغطاة كانت أيضا نائمة بماذا يذكرنا الثلج ماذا يهطل فجأة يأتي بغير ميعاد ويمضي مثلنا حين ننام ونصبح أبيض بلا أحلام تقريبا كأننا لم نولد.