٢٥‏/١٢‏/٢٠٠٩

خالد عيسى:على ضفاف كاني ڴوريكێ(خواطر عاموديه). في الحدود الشرقية من تارا آشێ عه لاوي، يقطع چه مێ كاني ڴوريكێ( نهرعين الجربا) الطريق الآتي من الدرباسية.وكان قد بدأ اسم هذا النهر يتحول إلى چه مێ آشێ علاوي(نهر طاحونة علاوي). منذ زمن قديم، كان قد أقيم على هذا النهر الصغير جسر متواضع، ورغم ازدياد حركة النقل كان لازال هذا الجسر يقاوم الانهيار. على الطرف الشمالي من الطريق العام، كان يقع بستان مخلف على الضفة الغربية من النهر. وعلى الضفة الشرقية كان يقع بستان ناصرو،وأبعد من ذلك باتجاه الحدود مع تركية، كانت كرمة زيفكو (ضيف) تغطي الأرض بأشجار العنب واللوز. كانت عائلة مخلف و رعاد و زيفكو من العائلات الخاتونية المعروفة في عاموده. كانت جازية زوجة زيفكو من قرية خاصكا ملاّن (خاص الملية). وكنت قد زرت قرية الخاص في عام 1970 ،وكنت قد بت ليلة في دار رمێ طنبورڤان على ضفاف غدير بيت مسلط (گولا مالا مسلط)، ولم أكن أعرف بأنني سأزامل فيما بعد عبد العزيز مسلط في دراستي الثانوية في هيمو، وأن عبد العزيز مسلط سيصبح لاحقاَ رئيساَ لبلدية عاموده. قيل لي بأنه بجانب كرمة حج حسين شيخ داود،على الطريق العام، تم اغتيال رفاعي بن زيفكو، بينما كان هذا الأخير يسوق حماره باتجاه طاحونة علاوي. ومنذ تلك الحادثة الأليمة كانت عائلة زيفكو متخاصمة مع بعض من عائلة رعّاد، والعائلتان متجاورتان في حي الخاتونية. وتشكل هذه المخاصمة الاستثناء في علاقات العائلات العامودية. إذ يطغى الطابع الودي على العلاقات بين مختلف العائلات في عاموده، وهناك تزاوج أو قربة ومودة بين العائلات بمختلف انتماءاتها القومية والعشائرية والدينية والمذهبية. وكان يقوم الوجهاء والحكماء بدور كبير في حل الخلافات ومنع العداوات الدموية في المدينة و اختزال نتائجها السلبية. كان زيفكو قد نصب في بستانه فزاعات كي يوحي للأولاد بأن شخصاَ ما يحرس الكرمة، ولكن بعضاَ من الأولاد فهموا بأن الأمر مجرد تمويه، وأصبحوا يترددون على الكرمة لزيارتها في غياب صاحبها. حسّ زيفكو بأن الثمار تتناقص، وأدرك بالأمر، فلبس هو بنفسه ثياب الفزاعة يوماَ وتربص باللصوص الصغار، وألقى القبض على أحدهم بهذه الطريقة الذكية والطريفة. ولم تشكل هذه الحادثة مشكلة كبيرة ، فالكل في عاموده كان يعرف رغبة الأولاد في محاولة التسلل إلى بساتين الجيران. على الطرف الجنوبي من الطريق، وعلى الضفة الشرقية من نهر چه مێ كاني ڴوريكێ، بنيت أول ثانوية في عاموده، وكانت قد سميت بثانوية أبي العلاء المعري. وأبو العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي ( 363-449 هـ/973-1057 م) ولد في مدينة المعرة ومات فيها.وأصيب في الرابعة من عمره بالجدري فكفّ بصره. درس علوم الدين والأدب ويدل شعره ونثره على أنه كان عالما بالأديان والمذاهب. تقع مدينة المعرة إلى جنوب ادلب، وتبعد حوالي 80كم عن حلب و60 كم عن حماه. فما الذي يجمع عاموده و العاموديين بمعرة وأبي علائها؟ّ!.وعلى حد علمنا المتواضع لم يكن أبو العلاء من تلامذة عاموده أو مفكريها، و لم يكن من وجهائها أو أبطالها. ولم يكتب شيئا يمت بصلة إلى عاموده والعاموديين. يعرف الجميع بأنه لم تبخل عاموده بإنجاب المفكرين والأدباء،وفي هذه البلدة من رجال الدين ما يكفي بلداَ أكبر من سورية، وفيها ما يكفيها من المتبصرين و العميان أيضاَ. والمعرة، على ما نعلم، لم تكن من القرى المغمورة بالمياه المخزونة بسد الفرات، كي يتم نقل أبو علائها الى الخط العشرة في الجزيرة. لا أعرف على وجه اليقين سبب تسمية ثانوية عاموده بهذا الاسم، و.لا أعلم بأي تاريخ تم اختيار هذه التسمية لهذه الثانوية الوحيدة في عاموده. ولكن أعلم بأن محمد رمضان عبيد الذي كان قد حكم في عاموده كمدير للناحية قبل أن يعمل في إدارة الأمن السياسي في دمشق، كان قد كتب كتاباَ بعنوان الاشتراكية العربية. وأثناء وجودي في عاموده قرأت كتاب محمد رمضان عبيد، فوجدت أن هذا الضابط البعثي كان مثل أبو العلاء مولعاَ بالقرامطة. أثناء الانتخابات التشريعية في نهاية 1961، وفي عشية انتهاء الحملة الانتخابية، كان محمد رمضان عبيد، قد هدد في عاموده عدداَ من التلاميذَ الأحداث (من 12 – 15 سنة) بالاعتداء الجنسي فيما إذا لم يعطوا تصريحات كاذبة بحق مرشح الأكراد نور الدين ظاظا، وبموجب هذه التصريحات تمت محاكمة هذا الأخير بعد توقيفه. وحقق هذا الضابط نفسه فيما بعد، في نيسان 1966 مع نورالدين ظاظا، عندما كان هذا الأخير معتقلاَ في سجن شيخ حسن في دمشق. مهما يكن من الأمر، فالشخص الذي اختار اسم الثانوية الوحيدة في عاموده لم يكن يحترم سكان عاموده. ففي عاموده الكثير من الأدباء و الأبطال ممن يستحقون التخليد والتمجيد وتسمية المدارس بأسمائهم. ولم أجد أية مدرسة لا في المعرة ولا في غيرها من المدن السورية تحمل اسم أحد مفكري عاموده أو فنانيها أو أبطالها أو شيوخها أو عميانها أو مجانينها. ولو زار المعري بلدة عاموده لما تجرأ منافسة العاموديين في ديارهم وعلى ضفاف چه مێ كاني ڴوريكێ. روى لي أحد الذين درسوا في الثانوية أنهم جاءوا في صباح ذات يوم فوجدوا كلمة كردستان مكتوبة بخط كبير على واجهة المدرسة، فأخبرت إدارة المدرسة مدير الناحية، وبادر أحدهم بالتطوع فوراَ بمسح الكلمة، ولتعذر مسحها، أقدم المتطوع بقحطها بقدوم (فأس صغير)، وهذا أدى إلى نحت الكلمة في الجدار بدلاََ من مسحها. وعندما حضرت رجال السلطة للتحقيق في ذلك، سأل مدير الناحية عن من قام بمحاولة مسح كردستان، فتقدم إليه المتطوع فخوراَ، فما كان من نصيبه في المكافأة إلاّ صفعة كادت ترميه أرضا. واثر هذه الحادثة قامت السلطات بحملة اعتقالات ضمن صفوف الشباب المشتبه بقربهم من القوميين الكرد، وقيل لي بأن عبدو حمێدي كان من بين هؤلاء المعتقلين المتهمين برغبتهم في تغيير اسم ثانويتهم !. عبدو حمێدي، كان يعمل ممرضاَ في عاموده وفي الدرباسية فيما بعد. و كان من الوطنيين، تعرفت علية، وتمتعت كثيرا بقصصه وفكاهاته الممتعة، سأحاول العودة إلى الحديث عنه في أماكن أخرى. َ كان بشير بنية مديراَ لثانوية أبي العلاء المعري. كان المدير من سكان عاموده، وهو من مالا (عائلة) بنية الميردنلية. كان المدير من ناشطي حزب البعث محلياَ. وتبعاَ لسياسة بعثية التعليم، كانت تحاول السلطات إبعاد الوطنيين بقدر المستطاع عن هذا السلك. وكانت بعض الكوادر الوطنية تلقى العمل لدى الإدارة بحكم حاجة الدولة إلى الكوادر المؤهلة. فعندما تم، في تلك الفترة، فصل الشخصية الوطنية الأستاذ عبد القادر(من الدرباسية) بذريعة مقتضيات المصلحة العامة، تم تكليفه بالعمل في الشؤون القانونية في المحافظة. وعندما تم فصل الأستاذ عبد الباقي ملا حسين، من سلك التعليم ضمن إطار سياسة بعثية التعليم (و لمقتضيات المصلحة العامة) تم تعيينه في ذاتية بلدية الحسكة. وأثبتت هاتين الشخصيتين الوطنيتين الكرديتين كفاءة عالية في الإدارة لا تقل عن كفاءتهما في التعليم. كان صوفي سليمان نجاراَ ويدرّس مادة الديانة الإسلامية في الثانوية. كان بيته بقرب مقبرة شرمولا. وكان من المسلمين المتنورين، ويقال أنه بادر إلى تأسيس جمعية لمنع المهر في الزواج، ويبدو أنه لم تلق الدعم لمبادرته الإصلاحية، فلم يفلح في تحقيق النتائج المأمولة. وبالحديث عن الجمعيات الاجتماعية والخيرية، أتذكر أن بعضاَ من الشباب رأوا أن الكثير من الحمير يتركون مشردين في الشوارع، و البرد القارص في فصل الشتاء يشكل خطراَ على هذه الحمير، فشكلوا جمعية لحماية حمير عاموده من العذاب و الهلاك، واستعاروا بيتاَ خالياَ ومهجوراَ، و بدءوا بجمع الحمير داخل ذلك البيت، وقاموا بحملة لجمع التبرعات لشراء العلف اللازم. وأنا شخصياَ دعمت ذلك المشروع بشكل متواضع، وسهلت إداريا الحصول على العلف. لكن على ما يبدو كان غضب السماء أقوى من رغبة وإمكانيات الطيبين من أهل عاموده، فتحت شدة الأمطار انهار البيت القديم على الحمير، وتحول المشروع الخيري إلى مأساة. وذهب الحمير في طريق اللاعودة، إلى الراحة الأبدية. ورغم النهاية المأساوية لهذه المبادرة، فهي تبقى مليئة بالعبر لمن يريد معرفة سكان عاموده و أطباعهم. الكافترية في الثانوية، كانت باستلام بشارو حمێدي أخو نواف المجنون ( وكان له راساَ صغيراَ وقامة طويلة). أثناء الحديث عن بشارو وعلاقته مع الطلبة، وعلاقته مع اسماعيل فيتو، نبهني أحد الأصدقاء بأن بشارو الآذن يشبه كثيراَ في قامته الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، ولكن يختلف عنه كثيراَ في مهنته!!. كان بشارو، فضلاَ عن عمله المذكور، يعمل صيفاَ في قطع الكرپيچ ( الطوب الترابي الني) الذي كان العاموديون يستخدمونه في بناء البيوت الترابية. كانت زوجة بشارو هي اخت حج فصيح بن فرحان (خربه كافري). وهذا الأخير عمل في السعودية، ثم عاد ليعمل في دمشق كمتعهد للبناء. كان بشارو، يلعب بكرة القدم، وله الكثير من القصص الطريفة، والنوادر الفريدة مع قريبه وزميله إسماعيل فيتو. كان يعمل في الكافترية أيضاَ محمد حمدينو، وهذا الأخير بيرتي و صاحب مطعم صغير في مركز البلدة،. وكانتَ دوندرمه محمد حمدينو شهيرة في عاموده. طلب أحدهم من محمد حمدينو سندويشة بدون مخلل، فقال له والله لا يوجد عندي مخلل، لكن لا يهم سأعطيك سندويشة بدون بندورة!! كان محمد حمدينو قد استأجر المحل من حجي حسي (الباديني)، وكان هذا المحل لا يبعد كثيراَ عن دكان الشيخ سليم. كان للحج حسي بنت اسمها درية، وقد أصبحت درية مديرة لمدرسة ابتدائية، وكانت قد تزوجت من الأستاذ دحام عبد الفتاح، ومن أولادها إقبال وإصلاح، وهذا الأخير دخل السجن لأسباب سياسية. وكانت لدرة أخ اسمه محمد سعيد ( الملقب بالشاذلي)، وكان من هواة كرة القدم. وأخ درية الصغير كان اسمه سليمان، وكان قد رافق دارا حج حرسان في التطوع في كردستان الجنوبية قبل أن يلجأ إلى إحدى الدول الاسكندينافية. وكان لدرية ابن أخت اسمه كسرى، وكان قد دخل السجن مع ابنها إصلاح. كان يعمل في الثانوية مستخدمان، أحدهما كان إسماعيل فيتو، والآخر يوسف شركس. فبينما كان يتمتع الأول بروح رياضية مرحة، كان الثاني يتعامل بكل جدية وتحفظ مع التلاميذ وسنعود للتحدث عنهما في مكان آخر. واستطراداَ، نذكر بأنه كانت توجد إعدادية بجانب مركز الأعلاف، كان مديرها محمود شيخ إبراهيم القادري، وكان أخوه محمد مديراَ لمدرسة ابتدائية.َ كان بيت الشيخ إبراهيم بقرب جامع القادرية ( جامع النصر). كان زهير جنباز يدرس مادة اللغة الفرنسية. وكانت أم زهير شريفه مهاجر معروفة بحسن تعاملها وبشخصيتها القوية ونشاطاتها الاجتماعية كان مستلم الكافترية في الإعدادية هو (محمد) محمه دێ اوسێ كحلى، كان قصير القامة ومشهوراَ بغرته(التمبه رية) الملمّعة والمصقّلة. ويقال أن فلاناَ قد تأنق وتمشط وجعل من نفسه مثل تنبه رية محمه دێ اوسێ كحلى. كان أوسێ كحلى (من البيرتية) مردافاناَ أي كان يحرث الأرض بالمر، وكان معروفاَ من قبل أغلبية العاموديين. و كان محمد هو ابنه الوحيد. كان بيتهم مقابل بيت يوسف حج حرسان. مقابل الثانوية على الطرف الشمالي من الشارع كان بستان ناصرو للخضروات، وكان يروى البستان بالغرافة، و كان يمتد من النهر حتى بيت صاروخو اللبابيدي وورشته المطلة على الشارع، ومن بعده يقع بيت دولێ (اورفلي) صاحب المرطبات المشهورة في عاموده وعموم الجزيرة.