لطيفة المسكيني: صيف الفاكهة (إليكَ، عادتِ الغريبةُ) - إلى محمد عفيف الحسيني، سليل بافي كال- "بوكا مالا بافي كال"، كانتْ هنا، بين قيشان الأندلس، تُناظرُ بوابات عامودا, كان دهراً ومضى، قبل تذكر الجيران بذي سلم، قبل أن يجريَ دمع مقلتك من دمي. صوفياتٌ، كنَّ قبلي هناك، هنا، يرتلن على أسماع الشيخ ترانيم الاشواق الغابرة والأزمنة العابرة. نسائم الشتاء السويدي القاتم بسحبه التي لا معنى لها، غير الوعيد بكآبات ماضية في طريقها إلى الكائنات البرونزية الصامدة. مَنْ أنا هنا، ومن سأكون في عامودا؟. *** أحيي الآتي والمجهول في حدائقكِ غوتنبورغ، وأودّع الحاضرَ المعلومَ، إلى أجل سمي لي في شخصه، في تشخص شعري مراود للنفس، مراوغ لرعونة الحبسة الماثلة. الزنجية الغريبة تحيي نقوش فاس في ضريح الشيخ، وحضرة السلالة، عبر وميض العيون ـ عينيّ البوكا مالا بافي كال، برد شتوي يلاطف العابر الواعد بمطر تأخر عن موعده. *** هنا بكى شوقٌ، وارتمى في حضنِ الغريبِ. مثل عشيقة الغريب، بلا ماض ولا آت، يعلن تحديه للغيوب، كانت موسيقى السر السابع تدرج سحرَها في الممرات الحجرية الضيقة. كانتِ الأرضُ فسيحة، والسماء أكثر ضيقاً من عادتها، يتردد صوت في الحشا: أحبك، ويرد صوت في الحشا: أحبك. ـ أين كنتَ، ومن أين جئتَ?. رد الصوت نفسه من سمفونيات لم تقل ولم تكتب على دفتر عازفها، من صوت حبيس في آذان غيورة بين جدران لا تأبه بغير دفء في صروح شيدتها زفرة الأشواق. حبست المعاني في ألفاظ لم تقل، وأنصت إليك، كنتَ تصعد الدرج الأحمر، وكنتُ أحمل لواء الفعل المتصرف للخلق والحدوث. ـ من أنتَ? من أنتَ? من أنتما?. صاح الفعل، وغاب الجميع. *** الراقصة الزنجية تلوح للسواد بكفها البيضاء، وتزداد الغريبة دهشاً في غربتها. كالموجة تزحف بخفة على الأرض مثلي، وتدفن شوقها، وفي الرمل تنبت كل حبة من حبات الشطآن شاطئاً يحكي عن غور الأرض، عن عباب بحر مجهول، وعن العشق المتجدد القديم. *** كخضرة لا تبرح شجراً، إلا لموعد قادم يخبر عن صيف الفاكهة. كم سافرتِ بداخلنا ياقطرة الماء، يا نطفة الأبدية، ياسر الخليقة!؟. *** حافية كانت أقدامُك تغني للشط مشية راقصة فواحة بالرغبة الناضجة، عندك انتهت غربتها، وعلى بواباتك ابتدأت. *** رهبة الظل موسيقى "رافيل" هدهدة الرضيع، ومسيرة صوت في مساء مشاء. السكر الهادم لكل شيء، الباني لللاشيء. كتبتُ إليك فيما كتب القلم، رحلة الكلام في دروب لم تقل. هذبت التعريف قبل مغرب النكرات، وأفول شموس العلة، وتركتُ للجسد صحة الحلم الراغب في جملة مشتهاة. *** إليكَ عادتِ الغريبةُ. *** الجسد برغبته في رقصة الفالس، وبذرة الخلق الأول، قبل تفتقها، كنتَ معي قبل أن تخلق الكروم. كنتَ سحر الخفاء في سكر الناي، بين شفاه راعٍ بلا قطعان ولا مرعى. على أرضكَ حفيفي، مكروراً كان من قدم؛ مكروراً كان بلا خريف. سكر الراقص، هياج الحلبة، وعضل انسجم مع ايقاع نفاذ، كنتَ وجاز النفي، كنتَ وما جاز النفي. النوافذ تخفي ضجيجي، والظلمة تخفي خطاي، وأنا أكشف لهما عنا. شعري بلا ريح، وصدري للريح. هلم أيها الضوء لعيني الغريبة. ظل أوانك على الجدران، وبياض ألوانك بلا طلاء. نزو الرقص رشاقة الايقاع، نبوءة المسام لحظة منفلتة تاج الهدهد شوق العاشقين... شتاء فاس، 2009
٣٠/١٢/٢٠٠٩
لطيفة المسكيني: صيف الفاكهة (إليكَ، عادتِ الغريبةُ) - إلى محمد عفيف الحسيني، سليل بافي كال- "بوكا مالا بافي كال"، كانتْ هنا، بين قيشان الأندلس، تُناظرُ بوابات عامودا, كان دهراً ومضى، قبل تذكر الجيران بذي سلم، قبل أن يجريَ دمع مقلتك من دمي. صوفياتٌ، كنَّ قبلي هناك، هنا، يرتلن على أسماع الشيخ ترانيم الاشواق الغابرة والأزمنة العابرة. نسائم الشتاء السويدي القاتم بسحبه التي لا معنى لها، غير الوعيد بكآبات ماضية في طريقها إلى الكائنات البرونزية الصامدة. مَنْ أنا هنا، ومن سأكون في عامودا؟. *** أحيي الآتي والمجهول في حدائقكِ غوتنبورغ، وأودّع الحاضرَ المعلومَ، إلى أجل سمي لي في شخصه، في تشخص شعري مراود للنفس، مراوغ لرعونة الحبسة الماثلة. الزنجية الغريبة تحيي نقوش فاس في ضريح الشيخ، وحضرة السلالة، عبر وميض العيون ـ عينيّ البوكا مالا بافي كال، برد شتوي يلاطف العابر الواعد بمطر تأخر عن موعده. *** هنا بكى شوقٌ، وارتمى في حضنِ الغريبِ. مثل عشيقة الغريب، بلا ماض ولا آت، يعلن تحديه للغيوب، كانت موسيقى السر السابع تدرج سحرَها في الممرات الحجرية الضيقة. كانتِ الأرضُ فسيحة، والسماء أكثر ضيقاً من عادتها، يتردد صوت في الحشا: أحبك، ويرد صوت في الحشا: أحبك. ـ أين كنتَ، ومن أين جئتَ?. رد الصوت نفسه من سمفونيات لم تقل ولم تكتب على دفتر عازفها، من صوت حبيس في آذان غيورة بين جدران لا تأبه بغير دفء في صروح شيدتها زفرة الأشواق. حبست المعاني في ألفاظ لم تقل، وأنصت إليك، كنتَ تصعد الدرج الأحمر، وكنتُ أحمل لواء الفعل المتصرف للخلق والحدوث. ـ من أنتَ? من أنتَ? من أنتما?. صاح الفعل، وغاب الجميع. *** الراقصة الزنجية تلوح للسواد بكفها البيضاء، وتزداد الغريبة دهشاً في غربتها. كالموجة تزحف بخفة على الأرض مثلي، وتدفن شوقها، وفي الرمل تنبت كل حبة من حبات الشطآن شاطئاً يحكي عن غور الأرض، عن عباب بحر مجهول، وعن العشق المتجدد القديم. *** كخضرة لا تبرح شجراً، إلا لموعد قادم يخبر عن صيف الفاكهة. كم سافرتِ بداخلنا ياقطرة الماء، يا نطفة الأبدية، ياسر الخليقة!؟. *** حافية كانت أقدامُك تغني للشط مشية راقصة فواحة بالرغبة الناضجة، عندك انتهت غربتها، وعلى بواباتك ابتدأت. *** رهبة الظل موسيقى "رافيل" هدهدة الرضيع، ومسيرة صوت في مساء مشاء. السكر الهادم لكل شيء، الباني لللاشيء. كتبتُ إليك فيما كتب القلم، رحلة الكلام في دروب لم تقل. هذبت التعريف قبل مغرب النكرات، وأفول شموس العلة، وتركتُ للجسد صحة الحلم الراغب في جملة مشتهاة. *** إليكَ عادتِ الغريبةُ. *** الجسد برغبته في رقصة الفالس، وبذرة الخلق الأول، قبل تفتقها، كنتَ معي قبل أن تخلق الكروم. كنتَ سحر الخفاء في سكر الناي، بين شفاه راعٍ بلا قطعان ولا مرعى. على أرضكَ حفيفي، مكروراً كان من قدم؛ مكروراً كان بلا خريف. سكر الراقص، هياج الحلبة، وعضل انسجم مع ايقاع نفاذ، كنتَ وجاز النفي، كنتَ وما جاز النفي. النوافذ تخفي ضجيجي، والظلمة تخفي خطاي، وأنا أكشف لهما عنا. شعري بلا ريح، وصدري للريح. هلم أيها الضوء لعيني الغريبة. ظل أوانك على الجدران، وبياض ألوانك بلا طلاء. نزو الرقص رشاقة الايقاع، نبوءة المسام لحظة منفلتة تاج الهدهد شوق العاشقين... شتاء فاس، 2009