١١‏/١١‏/٢٠٠٩

الغربة في الأراضي السويدية( لقاء مع سليم بركات).يتضمن أخر الأصدارات المترجمة للكاتب الكردي السوري سليم بركات كتابه الشعر النثري " موتى مبتدئون", و الذي يعتبر كسيرة ذاتية له, ولأول مرة, معطيات عن موطنه الجديد سكوك غوس* _ " المنطقة ذات الترفيه المحافظ"_ و التي تقع جنوب ستكهولم. يدعو سليم بركات إلى كأس عيران بارد, مزيجٌ سائل من اللبن و الماء و المتبل باللثوم و النعناع و الخل. _ للكل طريقته في تحضير العيران وهذه طريقتي . مع رشة الخل يصبح الطعم لاذعا, يقول هووبتابع, إن العيران أو الداو بالكردية هو المشروب الذي أعتاد تناوله بين الساعة العاشر و الثانية عشر قبيل موعد الغداء. إنه إنسان دقيق يعيش حياة صارمة و منظمة. من السهل التكلم عن الطعام أثناء حديثك مع سليم بركات . فالمطبخ مملكته, كما يقول هو, و يرى تشابها كبيرا بين إعداد الطعام و الكتابة. _ مع الكثير من الملح يصبح الطعم فظيعاً, و مع القليل يصبح من دون طعم. كذلك الأمر مع الكتابة, إنها تتعلق بأن تجد التوازن بين كافة المحتويات , يقول بركات. ولد سليم بركات في سوريا و الكردية هي لغته الأم و لكن العربية هي لغته الأدبية. يعيش في السويد منذ عشرة أعوام غير منقطعا عن الأنتاج الأدبي ككاتب. عشرة كتب كتبها منذ مجيئه إلى السويد. مع السناجب والقراقف الزرقاء و العقعق المستبد, حيث كان يراهم خاج شباك منزله في " المنطقة ذات الترفيه المحافظ", بهذا الشكل يصف حياته في سكوك غوس في روايته القصيرة " موتى مبتدئون", التي ترجمت حديثا إلى السويدية. كتبها قبيل أربعة _ خمسة اعوام و هي الأولى من بين روايته التي تدور أحداثها في السويد, تقريبا في القرن الحادي عشر. لكن لا, بالمناسبة إنها ليست بهذه السهولة. أين و متى تدور أحداث الرواية فهذا يبقى سؤالا فلسفياً, لكن الطبيعة و أسماء المناطقة السويدية موجودة حتما في الحكاية. تدور الرواية عن مجموعة من الشباب اليافعين جاءوا من " أرض زهرة الأوركيد الزرقاء*", لربما مجموعة من المهرجين, الذين يبحثون عن مغترب ليسلوه. و عن رجل صامت ذو نظرة حزينة, على الأرجح هو المغترب ذاته, جالس على أحدى الأشجار الهاوية على الأرض قرب مدينة اودن و يشحذ بسكينه. فالقصة تدور عن ماضي هذا الرجل عندما اشترك في محاولة فاشلة ان يجر احدى السفن إلى بحر هيلاكريتوذنس. وتدور أيضا عن مجموعة أباء, لهؤلاء الشباب اليافعين, الذين عادوا ليجدوا أبنائهم بصحبة الغرباء بنظرة كلها ألم. و كل هؤلاء يبحثون عن طريق إلى مدينة مورت فيك* الغامضة. ليس من البراعة أن تجد مورت فيك على الخارطة, حيث إنها منطقة خضراء تقع قرب بحيرة ديرف فيكن. بالمقابل ليس من السهولة ان تفهم الحبكة ذاتها في " موتى مبتدئون", الأسلوب الذي يعجب به الكثيرون, لكن أيضا وجهت بعض الأنتقادات السويدية المرتبكة للرواية. _ لربما من الصحيح إن كتبي صعبة, يقول سليم بركات. _ لكن ليست الكتابة أيضا نزهة يوم أحد, فالكتب هي محاولة أن أنقل لكم بطريقتي فهم عالمنا المعقد. كما هو من الواضح ان الرواية لها خلفيات شخصية من حياة سليم بركات. _ اعتاد ابني و أصداقئه الذهاب إلى بحيرة باد أودان الواقعة قرب مورت فيك لآجل صيد. السمك, و مرة رافقت أبني إلى هناك, يروي سليم بركات. _ جلست على جذع شجرة ساقطة و كنت انظر عبر البحر, عفوا, أقصد عبر البحيرة, و هنالك أدركت فجأة و بقوة هائلة إنني لن أعود أبدا إلى مدينتي إيثاكا*. لقد هام أوديسيوس حوالي عشرة اعوام قبل ان يعود إلى إيثاكا, و أنا صار لي اهيم حوالي 37 عاما, بالنسبة لي لقد تأخر الوقت. بكل بساطة أدركت النهاية قرب مورت فيك بأنني لن أتمكن من العودة إلى هناك. لو كان لدي سكين في تلك اللحظة, لكنت قطعت شرايين يديا. لذلك نجد إن هذا الرجل المغترب هو سليم بركات نفسه في الرواية. _ أخيرا يمكن قراءة " موتى مبتدئون" كسيرة ذاتية كاملة لي بشكل تجريدي. لكن ليست الغربة شيئا سهلا أو مفهوما جليا. و هنا تعالج الرواية بين ظروف الكينونة الأنسانية و بين الموطن الباطني لكاتب المنفى. _ قد يجبر المرء بالرغم من السلطة و الشدة ان يصبح مغتربا, لكن قد يشعر المرء نفسه مغتربا, أو يكون بحق مغتربا من تلقاء نفسه لربما و بحريته التامة أيضا, يقول بركات. _ لنناقش ما هي الغربة في حقيقة الأمر. على سيبل المثال: الطبيعة مهمة بالنسبة إلي, يمكن القول إنها روحي الثاني, فعندما قدمت إلى السويد أردت تعلم أسماء الطيور و الحشائش و الأشجار. لكن عندما كنت أتحدث مع السويديين لم يكن يعرفون أسماء تلك الأشجار و الطيور. إذا من هو االغريب في النهاية؟ عندما يتعلق الأمر ب " المنطقة ذات الترفيه المحافظ" لا يكون الموضوع مرتبطا تحت هذا الظرف فيما إذا كانت غربة سليم بركات أقل من معظم سكان سكوك غوس. هو في المنزل دائما, يترك مطبخه العزيز فقط عندما يقوم بالتبضع اليومي. لديه علاقات ممتازة مع اصحاب المحال التجارية المحلية, و حتى لا يسافر إلى أي مكان و لا حتى إلى العاصمة ستكهولم. _ أحس بنفسي ضائعا عندما أكون في الخارج, إنه نوع من القلق الا اعود أبدا, يقول هو, و قد لاحظت أنه كذلك لربما بالنسبة لأنسان قلع جذوره عدة مرات و قد تعب ان يزرع دائما و مجددا جذورا في أرض جديدة. لديه ساعة يومية من الكتابة بين الساعة السابعة و الثامنة مساء. الساعة التي لايمكن ان يكون من دونها. _ الأوراق تدعوني لها, يقول هو. _ إذا لم اكتب ساعة كل يوم لا اشعر بتحسن, أخرج من توازني. و كما تعلم, حتى لو لم تكتب أكثر من اربعة أسطر خلال ساعة,و لكنني أفعل ذلك يوميا, فانك ستحصل على كتاب بعد مضي عام. قبل ثلاثة أشهر أرسل سليم بركات مسودة مجموعته الشعرية الجديدة إلى دار النشر ببيروت, و عما قريب سيرسل روايته الجديدة بعنوانها الطويل و الملغز و التي من الأفضل أن لا نفكر حتى بمحاولة ترجمتها. الكتاب التالي الذي يقوم بالعمل عليه مترجمه كتبه منذ عام 1999. يدعى " الأختام و السديم". _ إنها لا تشبه " موتى مبتدئون", إنها أقرب إلى وصف بطولي و التي تدور عن كوردستان و الأربعين يوما في ظل جمهورية مهاباد القصيرة الأمد, الفترة الوحيدة التي كانت كوردستان خلالها مستقلة, يقول بركات. بالمناسبة يمكن أن تتحول إلى كتاب للطبخ شيئا فشيئا, هذا ما يخبره ناشر سليم بركات له. _ ربما تتحول إلى كتاب للطبخ عندما أشيخ بالعمر اكثر, يعلق بركات. _ لكنني أعد بانه سيكون كتابا خاصا جدا عن الطبخ, كتابا لا يشبه أي كتاب أخر. ترجمه من السويدية: مالفا كورد dyar2012@hotmail.com ملاحظات: نشر المقال بتاريخ 20_5_ 2008 في جريدة " سفينسكا داغ بلادت " * ( صفحة الأيام السويدية) سكوك غوس : المدينة التي يعيش فيها سليم بركات حاليا في السويدية. أو skogås1_ مورت فيك: مدينة قريبة من سكوك غوس في السويد. أو Mörtvik 2_ إيثاكا: المدينة التي انطلق منها اوديسيوس في الأساطير اليونانية. أو Ithaka3_ 4_زهرة الأوركيد : هي زهرة السحلب و هي زهرة يعود عمرها إلى 120 مليون سنة في عمق التاريخ. مصدر و كيبيديا. : صحيفة يومية سويدية تصدر كل صباح. Svenska dagbladet5_ خاص كميا كوردا-أجرى الحوار و كاتب المقال:Eva Bäckstedt