٢١‏/٨‏/٢٠٠٩

لقمان محمود: أعرف فتح الله حسيني كما أعرف الشعر استنادا الى المعرفة الشعرية تبدو القصيدة أكثر أناقة من واقعها المسنود في المراجع والأراشيف المتخصصة بالإبداع، فالعملية الإبداعية في واقعيتها الحضارية استسهلت واقع الكتابة، بحيث بات لكل عاطل أن يصبح شاعراً أومبدعاً، ومن النادر أن نجد قصيدة مهدورة الدم، أو شاعراً مهدوراً دمه، فالتشابه والتطابق هي من واقع القصيدة الجديدة، ولا غرابة أن نجد شاعراً يمضي بكل حيويته الى حضن الهاوية، والى حضن الموت كالشاعر فتح الله حسيني الخارج عن سلطة الحياة الروتينية، وعن سلطة القصيدة الروتينية، انه حالة من المغامرة والموت، حالة من الابداع والانتحار، فماذا يقول الشاعر في حياة مهدورة بالأصل، ومنذورة للموت من الولادة: نحن وطن بلا أبطال / وأبطال بلا وطن كادت الأمتعة السهرانة أن تأكل رغيفنا المنسي هناك وكانت الشبكات الثملى تتوج آخر وتدها البراق، حيث للريح روح أخرى، وللريح روح أخرى. أعرف فتح الله حسيني كما أعرف الشعر تماماً، أعرفه فوضوياً كي تكون قصيدته في قمة الترتيب، أعرفه سكّيراً كي تكون قصيدته رزينة في أناقتها وجمالها، أعرفه وفياً كي تكون قصيدته خائنة للعشر العربي والكردي، وربما لهذه الأسباب بقيت قصائده " مهدورة الدم" لأنها خارجة عن السرب. ولأن قصائده " لا يفقهه كنهها الربّ" أنها حيرة الموت العالق بجسد الحياة المريضة: هذيان هذه الحياة، ترهة على أتون نار مستعرة، تؤخذ كما يؤخذ ركن من الوطن، أو رشفة من الشجن، أو تاريخ من العربدة. تجدر الاشارة الى أن فتح الله حسيني من أهم الأصوات الشعرية في المشهدين الكردي والعربي، فالشاعر أصدر الى الآن سبع مجموعات شعرية، وكلها حتى هذه اللحظة تعلن عصيانها على الذوق السائد، وعلى القصيدة السائدة، وعلى الحياة السائدة. قصيدة فتح الله حسيني ما زالت تحتفظ بكرامتها وعزتها في هذا الزمن الداعر، الذي يظهر فيه عوراتنا على شاشات الفضائيات مباشرة.