٢١‏/٨‏/٢٠٠٩

فتح الله حسيني: جمانـــة حــــداد ووقفـــة ليليـــــت على الدوام، وقفت الشاعرة اللبنانية المبدعة جمانة حداد، بحزن وصلابة أمام قضايا الأنثى، إبداعياً، وكتبت بشغب مطلق عن الجسد الأنثوي، وحميميته، بعد أن كانت، تلك الكتابة الجدلية ، الخجلى في واقع رتيب، حكراً، على قلم الرجل وفكره ونفسيته، حتى كادت تلك الكتابة أن تكون خاصية الرجل وحده، وكأنه الاكثر معنياً بهكذا خصائص، فباتت جمانة حداد، الشاعرة، تكتب بحرية مطلقة . منحتها لنفسها، قبل أن يمنحها أحداً اياها، تغري الجسد بالجسد، وما توج حريتها وتمردها وجرأتها إنطلاق موقع مجلة “جسد” الالكتروني الذي تترأسه جمانة حداد، بالإضافة الى عملها مسؤولة القسم الثقافي في جريدة "النهار"، اليومية اللبنانية، وعملها مديرة إداريةً للجائزة العالمية للرواية العربية الـ"بوكر" العربية. بعد أن أصدرت الشاعر جمانة حداد مجموعاتها الشعرية المتتالية، التي لاقت رواجاً وصدى فاقعاً قل نظيره بالنسبة الى جيل حداد، ومنها "وقت لحلم، دعوة إلى عشاء سرّي، يدان إلى هاوية” في بيروت، و”لم أرتكب ما يكفي وعودة ليليت وعادات سيئة" في القاهرة، وعدة كتب أخرى تبحث في شؤون الانتخار ككتاب "صحبة لصوص النار" الذي يعد أول كتاب يعبر عن آراء كتاب عالميين، ثم لتسبر في كتاب منفصل أغوار المنتحرين وعوالمهم. يظل لكتاب الشاعرة جمانة حداد "مرايا العابرات في المنام" الصادر عن دار النهار للنشر والدار العربية للعلوم في بيروت، نكهته الألذ، في التقرب من الموت، ورشفت مع الموت رشفة غير متأخرة، وهمست مع الموت سراً، ورقصت معه، على أن يكون جسدها في قعر المحيط ينتظر، فهي تبحث عن جسدها في جسده، قد يكون حبة رمل أو سمكة حمراء: لي جسدٌ في قعر المحيط ينتظر، لي جسدٌ كبركان، تلعق المياه فوهته كي لا يقذف اللذة قبل قدوم الحب.. لي جسدٌ لا أعرفه قد يكون حبّة رمل أو سمكة حمراء أو لؤلؤة في محارة لكني سأكتشف طعمه في شفتين ستحرقان ولسانٍ سيأخذ وحمم لها صوت ولوج الجنة. جمانة حداد، التي ظهرت طفرة في الوسط العربي الغارق في رتابته، لم تك وليدة يوم بنهاره أو ليلة بضحاها، بل كانت وليدة تجربة طويلة في الشعر والكتابة الصحفية، وما صقلت هذه التجربة حضورها اللافت في العديد من المدن الأوروبية بعد ترجمة الكثير من نتاجاتها الى اللغات الاوروبية، بين انكليزية وفرنسية وايطالية، كما أضفت تلك الجولات رونقاً آخر الى تجربة هذه الشاعرة، المنتمية واللامنتمية في الوقت عينه، وذلك بعد أن حاصرت نفسها وسط تجربة صلدة هي تجربة مدونة باسم جمانة حداد بامتياز. تقول حداد "رنت شهرزاد نحو شهريار بطرفها الكحيل وقالت: لقد طال انتظاري، بربّكَ غازلني! هذا موعدي، وجسدي لن يمهلكَ. فالشفتان أضناهما العوز والحديقة استوحشت ومكامن الجنة والجحيم قد نصبت لكَ فافترشها، العطش حان، ولي ألف تنهيدة غرستها في تربتي لتسقيها، ولي فراشة تائهة استضافها صدري لتحرقها. المائدة خلعت زينتها ولم تترك إلا الشوكة والسكين. بربك غازلني! المائدة كثيراً قد اشتاقت والشوكة والسكين لا يحتملان الانتظار". إذا كانت جمانة حداد تنتمي الى نفسها اولاً وآخراً، ولا تنتمي الى نفسها أيضاً من المبتدأ الى الخبر، فهي بكل بساطة ووضوح تعبر عن واقع لم يتخل عنه معايشوه، وهو الواقع الييروتي الذي احتضن عبر مراحله، سواء في أتون الحرب الأهلية اللبنانية أو قبلها أو بعدها، العديد بل الكثير من المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم ومنافيهم الثقافية، القسرية والطوعية، مثل محمود درويش الفلسطيني وأدونيس أحمد علي سعيد السوري، وخالدة السعيد السورية، وسليم بركات الكردي السوري، ونزار قباني ومحمد الماغوط وسنية صالح السوريين وسهيل ادريس المصري، ناهيكم عن أبناء البلد من المبدعين البارزين من الشاعر سعيد عقل الى الشاعر أنسي الحاج الى شوقي بزيع والى جيل يحيى جابر يوسف بزي وجمانة حداد. لعل ما يميز جمانة حداد أكثر، قيادتها لشهوتها كأنثى من قصيدة الى قصيدة ومن حوار الى سخونة حوار، تقول”شهوتي ثورةٌ في كهف، تنتقم وتعصى وتنشد ما لم ترَ بعد. لشدّة الظلام في الكهف لا تبصر إلا بلسانها. كانت هذه الوقفة مع جمانة بمناسبة انطلاق موقع “جسد”، وربما يكون لنا وقفة طويلة بعد ذلك، نأمل ذلك. صحيفة " الإتحاد" البغدادية.