١٨‏/٨‏/٢٠٠٩

فرج بصلو: العلوعلو وقطط حارة قدور بك "إنجنت البسس اليوم, إنجنت! يافرج, تعال خذ عصا واطردها! العمى... كل بسس الحارة قررت تعقد مؤتمرها جنب مكبتنا ونمليتنا. إسمع موائها. وشوف شو جلبة. وين سمعت هالقطط إنو عندي وليمة كرمالها؟ ولا كل تجمعها هو إنذار في شيء غائب. تعال يافرجو تعال! تعال ياولدي. قبل ما ينمس شيء ويحرم!... . تحرك عيون جدة تحرك!". أسمعها وأضحك في خباياي. ولو إنها سموحة, كيف لي أضحك لطلبها؟ لكنها ربما نسيتْ ما قالت لي قبل برهات: إشعل الببور ياولدي. إشعلو! لتونا عدنا من عند الدوندرمجي. وأنا تعبان. لا أحد في الحوش اليوم, غيرنا الثلاثة, هي, والدتي وأنا. هكذا يريد القدر. أمي الحامل فاقت مبكراً! وجع رأس وقيء. دوار وغثيان. ومع ذلك. مشغولة بالتنظيف والكوي. أحاول شعل الببور, ولكن الكاز لا ينفذ من رأسه. ربما إنسَّد. وليش بينسد في هذا الصباح. خاصة في هذا الصباح؟. "جدة الببور ما عمبنشل! يجوز يكون مسدود؟". "طيب إضربو إبرة !". شو إبرة... هل تظنني جدتي سنكرياً, وأين هي الإبرة؟" على كوة الحمّام في إبرة. فوت رأسها برأس الببور. إنعش الببور بالهوى وشوف إذا مسدود أو لا" صرت سنكرياً بأقل وبأسرع تعليم. فور ما انتشلت الإبرة من رأس الببور, بدأ النفس يخرج ليصل حتى سمعها. "ناشف ياولدي. ناشف الببور. لازم تمليه بالكاز. طيب والقطط مين راح يطردها؟. أفتح برغي مستودع الكاز تبع الببور. ينفذ ما تبقى من الهواء. أضع القمع وأصب الكاز على مهل. أغلق البرغي بإحكام. أدع العروة بهدوء لتغط بالكاز. وما إن يظهر شلال الكاز من فتحة النافورة. أكف. أشعل عود الثقاب وأعلق. يعلو لهيب معبأ بالرائحة. وقبل أن يخمد. ازكي الضغظ. لأسمع غناء النار. بببببببببببببببببب. أوطيها شوية. واصيح فرحان. "في نار, جدة! في نار". تأتي لترى. "مليح ياولدي, مليح. إسحب دلو ميه من البير". بدكي تدفي ميه؟" "طبعاً. الحنة على رأسي من إمبارح. ولازم أغسلها". وفيما أقترب من البئر. أسمع خبطات, ورعشات تدوي. أنسحب إلى الوراء منخض. تلمحني جدتي. بعينيها الزرقاوين ترى فزعي, وترددي. "شو ثقيل عليك الدلو؟". "لأ". "من إيش خايف؟". "البير مسكونة. مسكونة ياجدة". تضحك. وعلى حس قهقتها تخرج والدتي من الغرفة وتسأل: شو صار. مرة عمي شو صار."عبيقول البير مسكونة". "مسكونة! بإيش مسكونة؟". فأرد عليها أنا: في حس خبطات من جوى البير, أخاف أنزّل الدلو. "بيجوز تكون خبطات الدلو ياإبني". "لأ ماما. لِسه ما نزلت الدلو, وفي حس وتخبيط". تلتفت حواليها, ألتفت معها وأرى ما ترى. باب قن الدواجن مفتوح. تسأل بصوت مدوي وكأنها تصرخ: مين فتح باب القن؟. ألوي شفتي, أرفع أكتافي. أنفي أي علم... جدتي ترد عليها: بيجوز نسيناه من الصباح. أول شيء تفعله والدتي. تفوت في القن, تلقي نظرة تمعن في الدجاج, الفراخ, الديكة الرومية, الأوز. لكنها لا تراه. لا ترى الديك الرومي الفحل, الذي كنا نسميه "علو علو". تعود أدراجها بعد ان تسد الباب. تأتي صوب البئر. تقف على فوهته, تكبي. تمسك صدعيها براحتيها. تسمع العلوعلو يتخبط في الأسفل حد المياه. ترفع هامتها, تزفر, تشهق, تتنهد. وي على بختي, وي على نعيمة. العلوعلو وقع بالبير. "متأكدة يا نعيمة؟" تعالي شوفي يامرة عمي. وبعدين انا شفت القن وما في علوعلو!. وانا بدي أسخن ميه من شان أغسل الحنة من رأسي. تجيبها جدتي سعدة. "ضروري نطلع الحيوان من البير, لا يروح يفطص ويموت, وبتحرم الميه, ويحرم البير". "بس ما في حدا بالدار اليوم". "في ياجدة في. أنا فرج راح أنزل البير, وإنتو نزلوا لي الدلو, أحط فيه العلو اربطو, وترفعوه شوية شوية". تضحك جدتي. تضحك والدتي. أضحك معهن ولا أدري سبب ضحكي. "وعميضحك كمان" تقول جدتي. إي مو إنتو ضحكتوا ياجدة! "نحنا ضحكنا لأنو, كيف بدك تنزل ستين درجة لجوى البير ياولد. بعدين. الطير الواقع في الأسفل أثقل منك". "وشو بدنا نعمل؟". والله أنا حيرانة يا ولدي! كنت بدي أبعثك عالدكان تصيح داهودو. بس أخاف من جدك, وداهودو ما راح يجي من دون إذنه. وإذا علم جدك بوقوع الديك في البير. الله يسترنا. إي باب القن مو لازم يكون مسكر. وفتحة البير لازم تكون مغطاة. وكيف تصادف والتنتين مفتوحات؟. كيف صار هيك يانعيمة؟ ووالدتي ترد بألم: أنا فت في الشهر السابع ياحماتي العزيزة. ومو على حالي اليوم. ماقدرتو أقوم من الفراش. رايحة أشوف إذا في حدا برّا, يمكن يساعدنا, شي صبي كبير. أو سليمو يترك حزم البيض ويجي يطلع الملعون من البير. تذهب وتعود لتوها. لا أحد حول الدار في الخارج. ومرزمة البيض مسكرة. ما يعني إن سليمو في متجر معلمه أسعد. تيأس والدتي. أعود أطلب منها السماح لي بالنزول. سهل ياماما. في درج حديد متين. بإمكاني أنزل بسهولة. "لا ياولدي لا. البير عميقه خمستاعش متر. يموت العلو العلو, وسلامتك إنت". والميه إذا حرمت؟". وترد: لأ ماراح تحرم. أنا بدي أنزل, أشد العلوعلو للسطل. إنت وجدتك, إسحبوه على مهل. راح اسندكوا من الأسفل". "بس إنتِ حامل ماما, ومو على حالك اليوم؟". وجدتي تضيف: والله مصيبة اليوم. وبدي أغسل هالحنة من رأسي. و كل بسس الحارة قررت تعقد مؤتمرها جنب مكبتنا ونمليتنا. إسمع موائها. وشوف شو جلبة. وين سمعت هالقطط إنو عندي وليمة كرمالها؟ وِلا كل تجمعها هو إنذار في شيء غائب؟ لا أرد عليها. ثم أذهل. إذ أرى والدتي تجلب كرسي حصير, تقربه من فوهة البئر, تسنده بالإسمنت المرفوع, تمسك قائم الحديد, تعلو إلى الفوهة, ثم تضع ساقيها على أول درجة. تنهض جدتي مسرعة نحونا. إنجنت أمك كمان! بهالبطن المنفوخة. إعقلي يانعيمة. عودي إطلعي. "لا ياحماتي, ما بيصير يموت الطير وتحرم الميه". وتعطينا أوامر: خلو الحبل على طرف من شان أنزل بسهولة. ولما أصل وش الميه راح أسحب وأحرك الحبل. وتصيروا تنزلولي السطل مع حبل جواتو. على مهل. ولما يصير الديك في السطل, وأقول إلكوا "إسحبوه", إسحبوه على مهل. راح أسندكو من الأسفل. أمسك بحبل البير على طرف. وتنزل. بحملها. والدوار يبدأ يصيبني. حموضة في فمي. نفسي يضيق. والدتي تصرخ. بعد لحظات تصرخ. نزل الدلو يافرج. كأني أصحو من حلم مرعب. وصوتها يتبعني في صحوي. نزل الدلو بس على مهل يا فرج. وتنزل روحي مع الدلو والحبل. والدتي حامل بشهرها السابع, في أسفل البئر. "إنجنت البسس اليوم, إنجنت! يافرج تعال خذ عصا وأطردها!" صوت جدتي يتردد في مسامعي. بعدين جدة بعدين. تعالي اسحبي الحبل معي, وخلي القطط تأكل بعضها. وصل العلوعلو قمة البئر. نزيحه على طرف. وننزل الحبل خارج البئر. نسند والدتي لتخرج. حي تقول جدتي. حي تقول أمي. حي أقول, بس إنهبط المسكين. تضحك, أمي وتضحك جدتي: وين سمعت هالقطط إنو عندي وليمة كرمالها؟ ولا كل تجمعها هو إنذار في شيء غائب؟. يعود الطير لقنه ليستريح من هوله خلف الباب المقفول. يسخن الماء. تغسل جدتي حنتها. والسمك تحت المكبة, لا تسمع عويل القطط. تضع والدتي الساج على الببور, تملأه بالزيت تريد قلي السمك. ولكن كيف لها الوصول إلى السمك, وحول المكبة ستون قطة من كل صنف ولون. تصرخ وتخرمش بعضها. قتال على لا شيء. إذا لا يمكنها رفع المكبة. إنجنت البسس اليوم, إنجنت! يافرج تعال خذ عصا وأطردها! العمى... كل بسس الحارة قررت تعقد مؤتمرها جنب مكبتنا ونمليتنا. إسمع موائها. وشوف شو جلبة. وين سمعت هالقطط إنو عندي وليمة كرمالها؟ وِلا كل تجمعها هو إنذار في شيء غائب. تعال يافرجو تعال! تعال ياولدي. قبل ما ينمس شيء ويحرم!... . تحرك عيون جدة تحرك!". لا بالعصي تطرد القطط الجائعة. قطط حارة قدور بيك لها دهائها. "جدة!". "أبو جدة!؟". فوتي هاتي لي شوية لحمة. جلابيط إذا في". "لحمة للقطط. للقطط إنقصف عمرها". "بس من شان نطلعها لبرّا". وأستدرج القطط الى خارج البيت. على الشارع. ألقي لها بكيس الجلابيط. لتهجم عليه. وتمزع بعضها البعض. ستون قطة وأكثر. قطط مجنونة, قطط محمومة, قطط أكلها الجوع. أعود احكم غلق الباب, انّزل السلم من الجدار. وجدتي تقلي السمك. أمي يكاد يغمى عليها من الريحة. والقطط تموء من الخارج. سمك الخابور له نكهة ومذاق ولذة. سمك الخابور المقلي له طعمه الخاص. يؤكل مع مخللات البيت, مع ليمون, بقدونس, سلطة خيار وبندورة. يرفق بالماء البارد. غذاء الظهر جاهز. هناك دقات على باب الحوش. قبضة النحاس تضرب الصفيح, وفيما بين الضربات, داهودو ينادي "إفتحو لي الباب, جيتو أخذ غذا لجدو. إفتحو لي الباب". القطط تخاف داهودو. وتتذكر ضرباته القاسية لما يكون خالي اليدين وجاهز لمعاركتها. لذا لا تقرب باب الدار وهو حدها. أفتح له الباب. لأسمع منه: إشلون نكهة. إشلون غذا! مستعجل أنا اليوم, جدو قال "جوعتنا ياداهودو روح جيب الأكل". يرفع السفرة على رأسه ويمضي. يمضي وخلفه قافلة قطط. قطط حارة قدور بك. تشم القطط سمك الخابور المقلي. تنجن. لكنها تخاف من ضربات داهودو. تسير على بعد منه. عله يسقط بشيء. عله يرحمها ويرمي بشيء كرمالها. يصل القاصد دكان جدو. جدو ينتظره على باب الدكان. أخيراً وصلت. جوعتنا اليوم ياداهودو. بس شو جايب وراك, كل قطط الحارة؟. يناول السفرة لجدو. يتسدير نحو القطط. ويصرخ فيها: كشششششششششششششششش ولي أنتي وهية. كشششششششششششششششششششششششش. تفزع قطط الحارة, تخاف داهودو وخاصة إذا كانت يداه خالية. ثم تبرح المكان معترفة بهزيمتها, ولو إنه لم يعدها بالفضلات... "إنجنت البسس اليوم, إنجنت! يافرج تعال خذ عصا وأطردها! العمى... كل بسس الحارة قررت تعقد مؤتمرها جنب مكبتنا ونمليتنا. إسمع موائها. وشوف شو جلبة. وين سمعت هالقطط إنو عندي وليمة كرمالها؟.
ابقوا مع ذاكرة الشّاعر فرج بصلو في أعداد قادمة...