١٦‏/٧‏/٢٠٠٩

نيمانا والظلّ
عبدالرحمن عفيف
أخبرني ابراهيم الخيّاط وكان مصابا بتحسّس في أنفه فلا أفهم جمله، أخبرني أنّ "نيمانا" تمشي في حوش باحة معهد اعداد المعلّمين والمدرّسين في مدينة " أقشملي" مع ظلّ يشبه في مشيته شخصي، مع ظلّ هو ظلّ فقط بغير شخص، يمشي برفقة " نيمانا" في الباحة وفي كافّة الأوقاتِ وجه الظلّ إلى الجدار أعني هكذا كما أخبرني ابراهيم الخيّاط وهو نفسه يبقى صاحب الرّواية هذه، حيث أنّني أنا لم أرَ الظلّ في حياتي، وأستطيع القول أنّني تخوّفت من الظلّ. لأنّ ابراهيم الخيّاط لم يرَ وجه الظلّ أيضا. هل رأى ابراهيم وجه ذاك الظلّ. لا دراية لي بهذا، ربّما أخبرني ابراهيم الخيّاط أنّه رأى وجه الظلّ وربّما قال لي إنّ وجه الظلّ يشبه وجهي، المهمّ هو أنّ ابراهيم الخيّاط كان يرى دوما فقط ظهر الظلّ وظهر"نيمانا"، حبيبتي التي صنعتها على يدي والصّحيح صنعتها على نار أحاسيسي يوما بعد يوم وكان اسمها اسما عربيّا قحّا وأخبرتها أّنّه كلاسيكي ولم أطلب منها أن تبدّله قطّ، حيث أصبح في رأيي" أجمل الأسماء"، خاصّة أنّني أنا الذي جعلتُه ينضج على فرن شوقي في يوم الجمعة ثمّ على شوق نسياني في يوم الخميس بعد سنتين من اغراقي لنفسي في شيء كان يسمّى غراما وعشقا وأغرقت نفسي وظلّي في قراءته. الظلّ بدأ يخيفني كوني لا أعرف عنه شيئا وما أخبرني عنه الخيّاط ابراهيم قليل، كان يكتفي ببعض العبارات غير الدقيقة في محتواها ويروي لي الحكاية على أجزاء مبتسرة، لا تفي بما أريده من معلومات عن هذا الظلّ. في أيّ حارة من حارات مدينة" أقشملي" أو مدينة"قشمليا" أو " قاشملّي" أو " مشقلاي". هكذا كانت حيرتي أكبر لأنّ صديقي الخيّاط لم يخبرني بدقّة عن اسم المدينة التي تمشي فيها "نيمانا" حبيبتي الصّفراء في ذلك الوقت بل ربّما أصبحت بيضاء وأنضج من الصّفرة لأنّ الصّفرة كان عندها دليل المراهقة وآنذاك في وقت الأحداث كانت قد نضجت وأصبح بيضاء، فوّارة على وجنتيها بالأحمر. كانت لأبيه سكّين كبّاسة، حادّة. لها نصلها وممسكتها البنّيّة مثل لون البنّ الفاتح، لون المسك بنيٌّ خفيف وعليه لطخٌ أكثر ظلاما وهي أيضا من البنيّ الأكثر ظلاما. أبوه يذبح بالسكّين تلك أو بالأحرى ذبح في الماضي الأرانب التي تكاثرت في جدران الجيران وفي كوخها الأرضيّ الواسع الذي أشبه القصر الجوفيّ. وهو الذي ابن أبيه كان يزرع نوى التمر، فتنب نخلات صغيرات أو سويقات في أرض الحوش. ذبح أبوه بنفس تلك السكّين ديكا لها أعراف تنتصب وأرياش صفراء وحمراء مفقّعة، برّاقة. وهذه كلّها تكهّناتي حيث أنّني لم أرها طيلة أكثر من عامين على الرّغم من كلّ محاولاتي الخياليّة للإلتقاء بها، لأقول لها: لا أسمح لك أن تمشي مع ذلك الظلّ الذي لا يعرف صديقي الخيّاط ابراهيم كيف هي ملامحه!! وحسب رواية ابراهيم لي فإنّ الظلّ يميل في قامته مثلي وله شعر ليس بالطّويل ولا بالقصير مثلي. وإن لم يرَ المرء وجهه يحسبه إيّاي، يحسب أنّ "نيمانا" حبيبتي التي كانت صفراء ومراهقة وأصبحت امرأة يشتهيها الرّجال والظّلال وكانت في صفرتها مشتهاة وإلاّ لما أغرقت نفسي عمدا في ابتسامة واحدة فقط لمدّة أكثر من ستة أعوام في مدينة" داموعا" أو " موعدا" أو "وعمدودا". ربّما فعلت ذلك لأنّني كنت أعرف الارتباط الوثيق بين اسمي المدينتين وأنّ "نيمانا" لن تستطيع أن تذهب بعيدا عنّي وعن ابراهيم الخيّاط أو عيسى الشريعي الذي رآها يوما في مديرية التربية في مدينة " الحسكة" التي لها اسم وحيدٌ وهو هذا الاسم المأخوذ من كلمة" الحسكة" وهو الشوق أو شوك الأسماك التي تخرج أفواهها الورديّة في نهر الخابور وكلمة الخابور مؤلّفة من كلمتين وهي كلمة آشوريّة صرفة، الخا وتعني الشغل والبور هي الأرض البور التي تحتاج إلى الشغل فيها وأذكر أنّني وقفت على جسر صغير على هذا البورخا، كان اسمه أحيانا هكذا " البورخا" أو " الخوربا" أو " ربوخو"، وقفت وقفة على الماء البنيّ الداكن، في لون الوحل وتذكّرتُ " نيمانا" في الحسكة كما أخبرني عنها عيسى الشّريعي من مدينة" داموعا" وهو اسم آشوريّ يعني " التراب الصافي بعد المطر الصّافي وربّما بالعكس". هل كانت" نيمانا" أيضا آشوريّة؟ هل كان الظلّ الذي يمشي معها أيضا آشوريّا؟ هل كان في عنق "نيمانا" صليب؟ العنق الذي مثل مزهريّة عليها صورة ديك مذبوح أو صورة ظلّ يشبهني في مدرسة اعداد المعلّمين. المهمّ أصبح الخيّاط من المعجبين ب"نيمانا" والظلّ الذي يمشي معها في الباحة. ولم تلحظ "نيمانا" ولا الظلّ الذي من الخلف يشبه مشيي وربّما ملامحه تشبه ملامحي، لم يلحظ صديقي الخيّاط. من ذلك الجسر البعيد الذي خلفه مساكن بيضاء جديدة في مدينة" قشمليا فوقانيّة"، كانت مدينتي قبلها أكثر تاريخا وعراقة من هذه المدينة" قشمليا"، لكنّ النّاس بنوا المستشفيات والعيادات والكراجات والمسابح في قشمليا وكبّروا مساحتها على مساحة مدينتي وخرّبوا جزءا كبيرا من تاريخ مدينتي وأضافوه إلى مدينة " أقشملي". أعني صارت مدينتي "تحتانيّة" والأخرى" فوقانيّة.