٢٨‏/٦‏/٢٠٠٩

جمل بولونيا  / عبد الرحمن عفيف
يصعد عبدالسّلام بسرعة إلى أعلى الإبريق ويخرج شتيمة يلاقي بها ضربات مرمى الشّاعر. الشّاعر يصبح أكبر المشاهدين. يستعير حدبة عبدالسّلام يركلها بدل الكرة. وعامودا تصبح الصّيف. الشّاعر يملأ يديه بالإقحوانات ويصعد الفليبس ويأكل الإقحوان ليصبح صوته أقحوانيّا ولحيته اقحوانيّة والدراجة الحديديّة ليّنة تحته. يصلّح المؤذّن صوته حين يصعد على قمّة نور المنارة ويرى في النّهار التّالي:
- الشّاعر يركبه جمل بما حمل والجمل بجلاّبيّة داكنة. ينزل الشّاعر لثقل الجمل من الدرّاجة ويضع بدلا عنه الجمل بما يحمل من سنام وكتب على ظهر الدرّاجة.
- الدرّاجة تنبت لها لحية إقحوانيّة ودركسيونها يمشي من تلقاء زهرة عبّاد شمس وأغنام في البراري وغبار يتبع الأغنام حين تختفي الدرّاجة.
- يحسّ المؤذّن ببعض العطش ويحسّ بعدها بحبّة حصرم تسقط من جيب جلاّبيّة الشاعر، فيلتقطها وتكون حلوة الطعم في الصّيف، فيقول لنفسه: نضج الحصرم وصار عنبا.
يتعب المؤّذن من التفكير بهذه الطريقة، ينزل من المنارة بعد أن أدّى الأذان على أكمل وجه لهذا اليوم.
- يا بني، دبّر لك شغلة غير التفكير في الجمل بما حمل.
للشّاعر كامو لحية منتوفة، هنا وهنا مثل الدّيك الإفرنجي، ديك أحمر غضبان. ولو أنّ المؤذّن أحدب فهو يستطيع على الأقلّ أن يؤذّن جيّدا وهي مهنة تلقّاها من أبيه المؤذّن المعروف وصوته مصنوع من السّمن العربي. نهرنا له جسر من التراب، لنا بيتٌ من الوحل والقشّ والتّراب وملعب بلدي وسيّارة وقطار لا يمرّ في مأزقنا الذي يسّمى مأزقا. لنا منارة على أعلى المسجد ومسجد في إبريق يتوضّأ به المصلّون. يتوضّأ المصلّون بالمسجد وينشّفون العرق بالمنارة أو أحيانا يخلع عبدالسّلام جلاّبيته الداكنة ويلفّها على ضرس المنارة. هذا في الشّتاء. يأكل الشاعر لحم الفرخ ويظنّ اللّحم لحم سمك. يتغيّر الجوّ وينزل المطر فيفيض الجسر بالمارّين ويبقى النّهر بغير ماء. يمتلىء الماء بالنهر الجاف، فيجفّ الماء.
والشاعر سقط سقطته من الفليبس ورجعت لحيته غير إقحوانيّة وأصبح راضيا أن يرى فقط عبدالسّلام. تعلّم درسا بليغا، وهو أن يركب الدراجة بعد أن يلبس بنطلونا بدل الجلاّبية، فهي تعلق هنا وهناك، بسنام عبدالسلام المؤذن، تعلق بتلّ القلاج، بالذكريات في بولونيا، تعلق بالأزهار الضعيفة وقوّتها في ضعفها، أزهار ضعيفة مثل وظيفة كسلان الصفّ، حين يكتب له الأستاذ في الصّيف الذي يشوي البشر بما حملوا، يكتب له" ضعيف جدّا".
اسمه سلام أو عبد السلام ولا يريد الشاعر أن ينساه، حتّى وإن أقام الشّاعر في بولونيا، وبعد ذلك لم يعد يرى شيئا سوى عبدالسلام. للشاعر جلاّبيّة صيفيّة بنّية يرتديها في صيف عامودا.  يركب الفليبس الكبير ويدعس الدوّاسات إلى تلّ القلاج. "تلّ القلاج، حصرمك والعقارب تأتي وتذهب على قناني السكرانين، بينهم البعثيّون النبعونيّون. وباصات تنقل الآنسات المدرّسات العاموديّات إلى قرى المشويّين في أطراف شارع الدرباسيّة". يركب الشّاعر والجلاّبية لا تصلح لقيادة الدرّاجات الهوائيّة، إنّها تصلح للتهوية. خاصّة في الصّيف. على العكس من الشّاعر لعبد السّلام المؤذّن جلاّبية زرقاء داكنة اللّون. وأظنّ أنّه كان يرتدي أحيانا البنيّة مثل الشّاعر. كان لي من المشويّين صديق اسمه نهار. لو كان اسمه اللّيل. صديق يتكلّم الفصحى حتّى في حلب. والأكراد مشويّون كذلك من نظامهم والآخرون شوايا أو مشويّون حسب رأي صديقي الذي اسمه ليل بعد نهار. المشويّون أعني الذين يجري دفعهم إلى المشي. لكن الشّاعر لا يمشي في الأسواق إنّما يرتدي جلاّبيّة في مركز المدينة في بولونيا، فيتعجّب منه الآتي والمغادر. يرى الشّاعر المؤذّن عبدالسّلام بعدّة طرق:
- عبدالسّلام يرتدي الجلاّبية الزرقاء الداكنة وعلى ظهره جمل ذو كلكل وذو بسطة في الخلق.
- عبدالسلام ثانية بدون الجلاّبيّة الزّرقاء، فلنقل بالجلاّبيّة البيضاء وهو فوق بلكون المنارة وجمل تحت المنارة
- يلد الجمل عبدالسّلام، فيكون عبدالسلام فرخ الجمل أو على الصّحيح فرخ الناقة ويكون له منقار لأنّه فرخ
ويقول له الشّاعر: تعال يا فرخي. فيغضب عبدالسلام ويردّ على الشّاعر بكلمات غامضة ويقول للشاعر:
- أركبك وأذهب بك إلى بولونيا وتكون معي في حلّي وترحالي.
فيجبر الشاعر نفسه على أن ينسى عبدالسّلام لعدّة مباريات كرة.