٢٤‏/٩‏/٢٠١١


  أوقية من دبس الرمان، حفنة من الحناء، ثلاث وريقات غار، ليمونتان ناضجتان، كأس شاي ثقيل معتق، قطرات من النبيذ المز الجاف، ملعقة من زيت الزيتون، رأس ليمون هندي جاف، أضمومة من الزعتر البري، كأس حليب كبيرة، دلقة واحدة من العسل، عشر شرائح من الخيار، ونصفها من شرائح البرتقال، وربعها من شرائح لحم الخنانيص، ومكيال صغير من جفاف بتلات الجوري، والقرنفل والحبق، والياسمين، وقطرة واحدة من مسك الغزال وزعفران الحوت، وقبضة من بيض سمك الشبوط وقطعتان من لحم كماشات قريدس البحر، الذي يسمى نمر البحر، وأغنية من حنجرة جريحة مثل حنجرة محمد شيخو، وذكريات من منفي كألم، وبضعة أوراق صفراء من خريف عامودا ومن شجرة الجيران، وسماق الجيران وعنب الجيران، وكآباتهم الأبدية على أوراقهم الأبدية؛ قطرات من سم الفئران، وقطرات من زيت الحوت، أو حبتان من حبوب زيت الحوت، فلفلة حمراء مكدسة في علبة سردين المغرب، يتناوله المنفي، وحبتان من حبوب الفلفل الأسود، المغلف بالوجع ـ الأيام وحرقة القلق والأرق والنوم ـ العذاب، وحبة من حبوب أن تتحول إلى كائن مندهش، رشفة من قهوة تركها الضيف العجول، رشقة ـ وليس رشفة ـ من فودكا، رشفة تيكللا، رشفة من الويسكي والنبيذ والبيرة، رشفة من الوقت، رشفة الخريف، رشفة من رحيق التوت البري الذي يجف حزيناً على القسوة.
شريحة من البطيخ الأصفر، والشماموك وبقية الفصيلة المزدهرة بالحب والطعم والنسيان.
نقطة، نقطة واحدة، من دواء البنسلين، نقطة واحدة من دواء معالجة السرطان، نقطة واحدة، فقط من سم الحياة والمنفى، نقطة من قوس الكمنجة تروح وتجيء على الأوتار القصيرة، فتنحف، ودمعتان، تنحدران من عامودا، بالقرب من الجامع الكبير، فتسقطان على وصفتي هذه:
هي أمك.
شتلة ريحان. صفحة من القرآن. مرآة. مكحلة عليها صورة فاطما مغربي. نافذة مكسورة. ريش واحد من ذيل طاووس. ريش واحد من ذيل عامودا. ولاشيء، آخر.
هي وصفة من وصفات الغياب. يقول أبي الشيخ:
ـ اخلط كل هذه العذابات، أغرقها في ماء حار، ثم اتركها لمدة أربعين سنة. ثم اشربها، ثم نَمْ. ثم قم، ثم صلِّ، ثم كل منفاك: قطعة قطعة مثل كبد عجل مشوي مرشوش عليه الكون، ستعود إلينا ـ آنذاك. إن لم تفعل ذلك. لن تعود إلينا، يابني.

***

سطور من ديوان الملا الجزري، سطور من ديوان أحمدى خاني، سطور من ديوان جكرخوين، سطور من ديوان فقي تيران، سطور من كتاب شرفخان بدليسي، سطور من كتاب ملا محمود البايزيدي، سطور من شهقة الأنبياء، ورائحتهم الصعبة. سطور من قصائد مولانا خالد النقشبندي، الذي لن يعود.
تلتئم السطور، فتشكل كتاباً ـ وصفة للذي لن يعود.

***

اللونُ الأزرقُ، ماأجمله. ماأصعبه؟،
هو لون المنفي الذي لن يعودَ.


وصفة للمنفيِّ

محمد عفيف الحسيني
غوتنبورغ ـ السويد

خاص كيكا