ساحة الله
عبد المقصد الحسيني
ياالله، لا تقصف الساحة،
جئتُ لأنقش الريح بالمدائح،
وعيني بكحل المتعة.
لاتقصف حديقة كلامي؛
لاتنهب القدر من أيدينا.
نزين الضريح بالشموع.
لا تنثر فوق أعلامنا
رعود النكسة.
قادمون من مواخير التاريخ،
إلى حدائق البهجة.
لا تقصف الساحة بطلقات الرحمة.
منذ الأزل نتأبط صرة الخيانة.
جئت أزين الساحة بالريح الطاهرة.
لا تقصف الساحة
أحلم أن أداعب صوتي الضرير،
لأخلع جلدي في الشتاء،
أحب أن أكون عارياً كيقظة الظهيرة.
هم الآن ينقشون هديل الدم على البياض.
خرجنا تواً من الخلوة.
لا تقصف الساحة
أطفالي لم يقرأوا فوضاي والمدائح،
لا يميزون بين الفصول
ينتظرون أن أجلب لهم صباحاً، خالياً من الفاسدين.
دمي يتدفق كشلال
حاملاً صفوة المحبة
التي فقدناها منذ الولادة.
لا زلت أبحث عن صراخي التي سرقوها.
ياالله، لاتقصف الساحة،
لا تزودها بالجيوش، وبرجال ملثمين،
يرهبون الضحية.
جئت إلى هنا
لأرى النهار هادئاً؛
النهار بين يدي، كجلد الأفاعي.
لاتقصف الساحة،
سأعلق أسماء الشهداء،
وأكتفي بغفوة، لأحيا، مثلما أريد
ياالله.. لا تقصف الساحة.
جئنا إلى هنا
حاملين أكفافنا،
وفي أيدينا قمر،
نفرش أحلامنا، لنعيش لدقائق في بهاء المجد.
لا تقصف الساحة
أطفالنا نائمون تحت ظل السؤال.
دعنا نفتخر بأجدادنا، يمرون بعد دقائق.
حينما يفيقون
سيسألون عن الريح التي نهبت الشوق
من معابد أعيننا.
لا تنهب النهار من أكفنا.
فرشنا جلالة أسمائنا وقدرنا،
لنحضنَ سورة الوداع.
أنا مولع بحكمة النهار
التي تشرق من جباهنا.
ياالله.. لا تقصف الساحة
اتركنا لنقيم صلاة الوداع الأخير،
والمجد الأخير للقهرالمخبأ في أجسادنا.
في الساحة أضيء الشموع،
حاول أن ترتب معي الحنين،
والدفء الذي بتر من البلد.
لا تقصف الساحة،
أحب اعلق اسمي بين الأسماء،
وأنزع الحداد من يدي.
جئت إلى الساحة
ياإلهي
اجمع هواءً نظيفاً،
أرتبه على أفواه أطفالي،
هم فرحون.
كرهت أن يقرأ العرافون على أجسادهم التعاويذ.
هل تسمع صراخي
الطويل
الطويل
الطويل
كأنه نهر جف من الضجر.
الآن يتدفق من دمي
أرتبه في الساحة.
أنا حي
أنا حي
لا أحب الموت
انتظر أن تأتي،
لنجدد البهاء الذي سرقت من شفاه النسوة.
لا تقصف الساحة.
انفض عن دمي
صلاة الخوف
ومن شفتي النعاس.
جاؤوا من بعيد، لنحمل الورد
قبل المغيب.
لا تقصف الساحة
لاأحب العنف
ولاالرجال وفي أعينهم أسئلة الشر.
التاريخ يكتظ بفقهاء الجلادين.
لا تقصف الساحة.
يا الله
لنبقَ أوفياء في دهشة الزمن؛
في دهشة السيرة التي دونتها.
جئت حافياً من القرى التي انتزعت
من أكبادهم أمجاد ديكهم.
جئتُ إلى الساحة.
لاتقصف الساحة
خفف عن روحي قسوة التاريخ.
احمل الشموع، لنضيء البلاد بشقائق الزغاريد.
كل الساحات غطست بالدم الطري.
لا تقصف الساحة.
أنا الآن في الساحة،
أسقي النهار بماء الشوق.
لا تقصف الساحة.
ألملم حروفي المنكسرة،
أروض قلبي من جديد كسحابة.
أنتظر،
أخرج عارياً ملفوفاً باليقين،
أمارس حكمتي،
أتضرع إليك، لتبقَ لدقائق،
أمدح أشواقي وممالكي،
قبل أن أسقط شهيداً مثل الحروف.
أنا الآن في ساحة الله،
أحن إليك،
لتأتي على عجل،
نتحاور في أمور الفقه،
نجدد الفتاوى كالخريف.
لنروض القلق.
أحب البلد، عندما يرفرف دمي في ساحاته.
حاول أن تأتي على عجل، سيل يتدفق من أصابعي.
أقرأ على جفون الصغار النشيد لذي اغتالوه،
ولا تمسح من فمي آيات كلامي.
ياالله.. لا تقصف الساحة،
سأزينها الآن بالزغاريد
سيأتي الأصدقاء،
أسراب الأرامل، التي سرقت من أحضانهن أطفالهن.
هنالك فسحة للموتى،
إنهم يفيقون، وسيأتون.
أنا أحب الساحة
وأحن إليك،
تأتي وحيداً،
لاتجلب معك عزرائيل، إسرافيل، ولاالملائكة،
نحن الملائكة
نفرش أمام قدميك سجادة
في مشهد خالِ من الفاسدين.
أنا الآن في الساحة، أنتظرك،
لست خائفاً
أنزع من روحي القيود،
ميلاد الوهم،
وأمدد بين يدي مواثيقي، وأحلامي.
لست خائفاً.
أنا الآن
في ساحة الله حاضناً حزمة ضوء،
أنقش أسماء النجوم على الشرفات.
أنتظر مجيئك لأنزع ثوب الحداد.
أنا الآن في الساحة
أعيد كتابة المراسيم،
لاأريد فتات الشفقة،
حاول أن تأتي، لندون على المشارف
مواثيق للشفق.
لا تقصف الساحة، ياالله.
إنها لاتشبه كل الساحات، ياالله.
عامودا، نيسان 2001