كُلجين ابنة نورس بك وهي الابنة الوحيدة والبكر أيضاً لوالديها.... لذا كبرت وترعرعت في عز ودلال، فقد كانت كُلجين جميلة جداً لها قامة هيفاء، وشعر أشقر ذهبي، وعيون خضراء، تبلغ من العمر ثماني عشر سنة، اشتهرت بجمالها بين الأهل والعشيرة، وكان الشباب يعشقونها كثيراً، لكن لم يتجرأ أحد أن يتقدم لخطبتها من والدها خوفاً على شعورها .كان نورس بك من وجهاء مدينة نولNol ومن أغنيائها وبنفس الوقت رئيس العشيرة، كان رجلاً مجرماً وسفاحاً. كل شخص يكرهه لأن أحداً لم يسلم من شره، ويلوكون سيرته في الأماكن بالسوء،ويترصدون لايذائه والايقاع به.يعتبر سيدو آغا عدوه الأول، وهو أيضاً من وجهاء ورؤوساء العشيرة، ومن مؤسسيها، وهو الذي كان يزعج نورس بك ولم يدعه يهنأ حتى في نومه أيضاً.كان نورس بك يعرف تماماً أن مكانته تهتز، وإن استمرت هذه الحالة أكثر، فسيخسر العشيرة والممتلكات أيضاً. كان يتوجب عليه أن يجد حلاً لهذه المشكلة التي تزعجه، يفكر ليلاً ونهاراً عسى أن يجد حلاً، وأخيراً وصل إلى نتيجة ترضيه وتخرجه من المشكلة، قال لنفسه:ـ إن أصبح سيدو آغا صهري فلن أخاف منه بعد اليوم، ولن يزعجني بشيء.قدم نورس بك ابنته المدللة كُلجين إلى سيدو آغا ، وقبل سيدو آغا هدية نورس بك برحابة صدر، وتقدم لخطبتها. لقد تصالح الآغوات والبكوات. خطب سيدو آغا كُلجين ابنة نورس بك، وألبسها خاتم الخطبة، واشترى لها ذهباً، ووزعت كؤوس الشراب. وتحدد موعد الزفاف بعد ثلاثة أشهر، وستكون كُلجين زوجة سيدو آغا.لم يسعد نورس بك في نومه منذ مدة طويلة، أما اليوم فسيضع نورس بك رأسه على المخدة للمرة الأولى دون خوف أو قلق بعد هذه المصالحة ،.. وينام قرير العين، لقد نام فعلاً في هناء.ماذا جرى لكُلجين المسكينة؟ اسوّدت الدنيا أمام عينيها، كانت ترى كل شيء اسودَ مظلماً، الشمس والقمر والضياء، كيف ستصبح زوجة سيدو آغا ؟ إن لم يبلغ سيدو آغا خمسين سنة من العمر، فلم يكن أقل من خمسين سنة، ومازال على وجهه آثار مرض الجدري، وله عين بيضاء. وعلاوة على هذه العلل والعجز، كان له ثلاث زوجات، وقد تزوجت ثلاث من بناته اللائي يكبرن كُلجين أيضاً.الأمل هو الذي يجعل الانسان يستمر في الحياة ، لولا الأمل لانعدمت الحياة على الأرض، وإن انعدم الأمل، فلا يستطيع الانسان أن يعيش دائماً مع الشكوى والمرض والألم في هذا العالم ، حتى القاتل أو المحكوم عليه بالاعدام الذي يجرونه إلى حبل المشنقة يأمل في انقاذ نفسه، يستعطف الآخرين من خلال ملامح وجهه يستثير شفقة الناس كي يعفو عنه الملك أو يصدر قراراً بعدم شنقه.مازال الأمل يسيطر على كُلجين، وأرادت أن تنقذ نفسها من هذا القدر المكتوب على جبينها وتصنع قدرها بيدها، وتنقذ نفسها من الحظ الأسود.لم يبق لكُلجين سوى العجوز بيزى، وهي عجوز ساحرة، أعادت كثير من الفتيات إلى أهلها بقوة السحر، وردت العرسان وفسخت الخطوبات، وبفضل السحر قربت قلوب آلاف الشباب والفتيات وشاركت في طلاق الكثيرين من الازواج.التجأت كُلجين إلى العجوز،لاذت بها، أمسكت بطرف ثوبها وقبلت يدها، وروت ما حدث لها:- أيتها العجوز، أتمنى أن تنقذيني من نار الجحيم، وما تطلبين من المال ستقدمها والدتي لك، وهي أيضاً لا تريد هذا الزواج-. فكرت العجوز فترة ثم قالت لها:يجب أن آخذك إلى الشيخ يا ابنتي، إنه الشيخ شفقت |efqet ، هو الذي يستطيع أن ينقذك من هذه المصيبة.اتفقتا على يوم محدد للذهاب إلى الشيخ.قدمت العجوز بعض النصائح إلى كُلجين قبل أن يذهبا إلى الشيخ قالت:-إن الشيخ من عائلة النبي، يتوجب عليك أن تتوضيء قبل أن تزوريه، إنه يعرف روح الإنس والجن ، كلامه جواهر، وفي أقواله حكم قدسية، إن قال لك كن فيكون، قد يكون لكلامه هذا حكمة، يجب ألا تفكري بالسؤ وتحملي قلباً طاهراً، كي يعرف الشيخ رغبتك، ويحقق أملك-.حفظت كُلجين نصائج العجوز، وعندما دخلت إلى خلوة الشيخ، قال الشيخ:ـ أنت عجوز بيز:لم تأتي إلي منذ عدة أسابيع، أين كنت، وماذا جرى لك ؟ أعتقد أن أختك حلت ضيفة عليك، أليس كذلك؟.قبل أن تجيب العجوز على أسئلة الشيخ، نظرت إلى كُلجين وهزت رأسها منتصرة، ثم ردت على الشيخ وقالت :هذا صحيح ياشيخي، جاءت أختي لزيارتي، عدة أيام ، لذا تأخرت عن زيارتك.قال الشيخ:لايهم! أليست هذه ابنة نورس بك؟قالت كُلجين :نعم.هرعت كُلجين وقبلت يد الشيخ بحياء واحترام .قال الشيخ:كرامة لله الذي في السموات والأرض يا أبنتي، عليك أن تتطهري، وتصلي، ليس لأجل مجيئك. نظرت العجوز مرة أخرى إلى كُلجين وهزت رأسها باعجاب، وكأنها تذكر كُلجين بنصائحها وواجباتها، أما كُلجين فقد كانت ترتجف معجبة بمعرفة الشيخ.قال الشيخ:لا حاجة لك أن تكرري لي مصيبتك يا أبنتي، أنا أعرف جرحك وألمك، لم يخبرني أحد أعرفها بنفسي، لاتقلقي، لا تقلقي، أنا والدك، سأنقذك من الكلب المنخور.لم يسمح عمر الشيخ أن يقول لأي فتاة كبيرة -أنا بمثابة والدك يا ابنتي- لأنه لم يتجاوز الثلاثين أو خمس وثلاثين عاماً، لكنه نصب نفسه لهذه الأبوة لمكانته الدينية كشيخ، لذا لم تتضايق كُلجين من كلامه، سيما وأن الفتاة قد اقتنعت به تماماً.كان على العجوز أن تخرج، وفعلاً خرجت، وتركت الشيخ والفتاة في الخلوة وحدهما، خرجت العجوز من الخلوة كي لايدخل أحدٌ دون اذن ويفسد السحر وفي نفس الوقت كي لا يسمع أحد أن كُلجين جاءت مع العجوز إلى الشيخ. مسد الشيخ يده على رأس كُلجين عدة مرات، ثم وضع يده على جبينها، انحدرت اليد بكل هدوء إلى الأسفل واستقرت على عينيها ووجهها، أمسك بفكها السفلي وهزها، كانت كُلجين واقفة كالتمثال دون حراك، تأثر الشيخ لوضعها، قبّل جبينها كوالدها ثم عينيها واستقر فمه على فمها.انتابت كُلجين احساس بالخجل من رحمة الشيخ، ولم تعرف كيف تشكره، ظلت صامتة، لابد أن الشيخ قد وجد وسيلة لانقاذها من نار الجحيم، وهذه من الأمور السهلة لدى الشيخ، يستطيع أن يستحضر روح سيدو آغا إليها، ويأمرها أن تبتعد عن طريق كُلجين، يستطيع أن يجعل الفتاة قبيحة في نظر سيدو آغا، لديه الخطط الكثيرة.أخذ الشيخ قطعة من الكلس في يده، ثم رسم دائرة على الأرض، دخل مع كُلجين إلى الدائرة وقال لها: لاتخرجي من الدائرة يا... سأستحضر روح سيدو وأخدره. بقيت كُلجين داخل الدائرة، ثم وضع الشيخ بخوراً على النار، وذهب إلى خلف الستار، بقي فترة . وعندما امتلأت الخلوة بدخان البخور، وأسودت الغرفة، صبغ الشيخ جسمه ببودرة فوسفورية بسرعة، وقد كانت الخلوة مظلمة من شدة دخان البخور كاد أن يتحول إلى أزرق.لم تخرج كُلجين من الدائرة، فجأة صرخ الشيخ بصوت جهوري عال: ياهو. . . وقفز من وراء الستار، فتحول جسمه إلى نور وضياء، ارتجفت كُلجين رهبة لصراخ الشيخ، وفزعت، لكن كي تتخلص من سيدو آغا، ومن نار الجحيم، وضعت كل شيء نصب عينيها التعب والخوف والتضحية.أسرع الشيخ ودخل الدائرة ، كانت الدائرة صغيرة وضيقة، كي لا تخرج كُلجين منها، فالتصق الجسدان ببعضهما كقالب واحد. مد الشيخ يده إلى روح سيدو آغا وسحبها، لمعت يده النورانية كالبرق في الليلة المظلمة، وأضاءت. ثم حضن باليد الأخرى كُلجين، وضغط عليها كي لا تخرج من الدائرة، ويبطل مفعول الطلاسم، كان الشيخ يتكلم مع روح سيدو آغا ويأمرها. لم تعارض روح سيدو آغا أوامر الشيخ فاستجابة لأوامره كل شيء يسير في طريقه الصحيح. هكذا أخبر الشيخ بل بشر بها كُلجين، ثم ضغط على الفتاة من شدة الفرح في حضنه، وقبّل عينيها ووجهها واستقر الفم على فمها .لم تتكلم كُلجين ولم تعارض. قال الشيخ:انزلي السروال الداخلي يا ابنتي. نسيت كُلجين نصائح العجوز بيز في تلك اللحظة، وكأنها استيقظت من غفلة طويلة، نظرت إلى نفسها والى الشيخ، ماذا يريد الشيخ منها؟ لقد فكرت كَلجين بكل شيء كي تتخلص من نار الجحيم ، من سيدو آغا، وتستطيع أن تضحي، لكن ليس بشرفها. فهمت كُلجين نوايا الشيخ وماسيجري لها خلال ثلاث ثوان، بصقت في وجه الشيخ من فورها، وندت منها صرخت لاشعورية، سمعت العجوز صراخ كُلجين ودخلت فوراً.قال الشيخ: أيتها العجوز:.... ماهذه المجنونة التي أحضرتها إليّ ؟ارتمت العجوز على أقدام الشيخ راجية متوسلة وقالت:التوبة ، لأكن جاريتك... التوبة... استغفر الله العظيم . ثم التفتت إلى كُلجين وقالت: ماذا فعلت يا أبنتي، هيا توبي بسرعة، ألم أقدم لك النصائح؟ يقول لك الشيخ انزلي السروال الذي كان على الحبل في الأعلى كي يحبس فيه روح سيدو آغا.عندما نظرت كُلجين إلى الأعلى، رأت فعلاً أن السروال معلق على الحبل، عندها فهمت أنها كانت مخطئة، وارتمت أيضاً على أقدام الشيخ، تطلب التوبة، واستغفرت الله، لكن الشيخ الجليل لم يقبل توبتها إلى أن تدخلت العجوز، وتوسلت للشيخ مرات عديدة. على ألا يتكرر هذا الخطأ مع الشيخ ثانية، ثم عفا عنها الشيخ.قبح الله وجه المصادفة، لقد ساعدت الصدفة مرات عديدة السحرة.اختلف سيدو آغا مع نورس بك لسبب ما، بعد أن قدم لكُلجين الخاتم والذهب، كان سيدو آغا يأتي إلى زيارة عمه نورس بك كل يوم . وعندما رأت العشيرة أن سيدو آغا قد خدع بنورس بك، وأصبح عدواً له أيضاً، تبرع أربعة شبان في احدى الليالي ودخلوا منزل سيدو آغا وهددوه ثم قالوا له :ـ إما نورس بك أو العشيرة.لم يتجرأ سيدو آغا أن يخالف العشيرة بهذه السرعة، فبقي في منزله عدة أيام، كان يخاف أن يقتله أحد، عندما يترك سيدو آغا العشيرة ويتزوج من كُلجين، مضت فترة لم يذهب سيدو آغا إلى زيارة نورس بك. وهذه كانت أمنية كُلجين أيضاً، قدم الشيخ لها فائدة كبيرة، لقد أنقذها من نار الجحيم، لكن كان يجب على الشيخ أن يسجن روح سيدو آغا دائماً كي لا يعود ثانية الى كُلجين، لذا كان عليها أن تزور الشيخ كل عدة أيام مرة واحدة. وكلما سنحت لها الفرصة ذهبت مع العجوز إلى الشيخ، يسجنان روح سيدو آغا، طلبت كُلجين أمنية أخرى من الشيخ، أرادت أن تجمع روحها مع روح كاتب والدها سَرْوَرْ Serwer .كان سَرْوَرْ شاباً أنيق المظهر وسيم المحيا، طالباً في الجامعة، يحب كُلجين كثيراً ، وتبادلها هي نفس الشعور، لكنه لم يكن من الأغنياء، ولم يكن بمستوى نورس بك كي يصبح صهره.وافق الشيخ أمنية كُلجين، إنه يجمع دائماً روحيهما معاً .آمنت كُلجين بالشيخ وكرامته، واستسلمت له كلياً كانت تجلس معه، ويشربان ماء الزمزم في الخلوة معاً. وقد كان الشيخ يسجن روح عدوها ، وترسل روحها إلى حبيبها سَرْوَرْ ، عندما تبقى بلا روح، كان الشيخ يحضنها ويمددها بين نوره. فأصبحت كُلجين من اتباع الشيخ قلباً وقالباً، تذهب إليه كل اسبوع مرتين أو ثلاث مرات، وتبقى معه في كل مرة أربع ساعات في الخلوة، وتشرب مع الشيخ ماء الكوثر والزمزم، ويشدها الشيخ إليه، كانت الروح تخرج من جسدها مع روح الشيخ، وينبتان لهما ريش وأجنحة ثم يحلقان فوق الجنة، وفي السموات... مرت سبعة أسابيع على هذه الحال، حتى تحرك في بطن كُلجين شيء ما، لكنها لم تعرف ما هو ؟. لم تدرك أنها عندما كانت تشرب ماء الكوثر والزمزم، كانت تقع فاقدة الوعي، وعندها كان الشيخ يمنح من نوره جزءاً من الشراب .لاحظ الشيخ هذا، وعرف أنه سيفتضح أمره بين الناس بعد شهرين أو ثلاثة، لذا كان عليه أن يداوي مريضته بالدواء الذي كان يداوي بها مرضاه مثل كُلجين وهو بودرة من بركات جده... يضع قليلاً من البودرة في كأس من الماء، ويقدم لمرضاه كي يشربوا.بعد أن تجرعت كُلجين هذا الدواء، كانت تذبل تدريجياً كالريحانة وتذوب كالشمعة، فاقتعدت الفراش، ولم تملك القدرة على الوقوف، وبعد ثلاثة أسابيع اشتد بها المرض وأنطفأت كالسراج فجأة في يوم ما .ماتت كُلجين، لكن شيخاً صغير كان يتحرك في داخلها، وبلا شك كان شيخاً دون ذنب
قدري جان : كلجين
قدري جان : كلجين
اللوحة للفنان: عبدالكريم مجدل البيك