٣٠‏/١١‏/٢٠١٠

أغلق عينيّ، فلا فائدة. لا فائدة ترجى من إمعاني النظر في " مينا". - تبّا لك، قالت لي نظرة العصفور البنيّ ذي الأرياش السبع والذي نبت له منقار ثانٍ قبل يومين. أغلقُ عينيّ لأرى "مينا" بوضوح أيّها العصفور وكنتَ شاعراً تخرج من قريةٍ كانت معجّجة بالغبارِ وهطل الثّلج عليها وعلى تلّ " سنجق قحف". هطلَ الثلج فأغلق النّاس نوافذهم والنوافذ كانت من زجاج الأرواح، الزّجاج كان مؤلّفا من ست قصائد نثريّة أو نستطيع أن نقول، من قصيدة واحدة نشرت على شكل نافذة هكذا: "ذلك البيت المضعضع، بسقفه ونحوله وضيقه. تلّ موزان، شيرين زائد عايدة زائد صعود التلّ والبئر الكبيرة ناقص سوري، ناقص تركيا، ناقص سوري، ناقص الحرمل على التلّ، نقطة، زيارة عمّتي سعديّة وزيارتنا للتلّ واصابتي "بالميكتوك" على جانب التلّ. أيضا الزيارات وطعامها، ناقص خالتي مدني ونورا، نقطة سعديّة وحسن وشيرين وعايدة وأمل، نقطة بيتنا، أنا وأمي ووداد." وأغلقتها الفتاة المراهقة ولكنّها قبل اغلاق النافذة أمعنت النظر في العصفور الذي كان شاعرا. ها ها ها، هكذا قال العصفورُ الذي لم يكن شاعرا وكان يعرفُ مشاعري بدقة منقطعة النظير وأنا ماذا فعلتُ هنا؟ ابتسمتُ أوّلا ثمّ ثانية ابتسمتُ لأنّني كنت أرى عندئذ ابتسامة " مينا" على الممرّ الخماسيّ الصّاعد، النازل كما يصعدُ وينزلُ تنفس العصفور البنيّ الذي عجنته يدُ ابن عمّ لي ينام في الأسواق. ابن عمّي يقلّد العصفور، يفتح يديه ويغلق عينيه على الغيمة التي لا ترى في الليل. أه، أيّها العصفورُ الذي أضحك نفسه مني حين أغلقتُ النافذة. أمعنتَ النظر في قفصي الصدري، قال العصفور بعد نظرة عابسة إليّ، وأنا خفت بخفة منقطعة النظير بحيث أودت بحبي الأكبر ل" مينا" ولكنني لم أكن الخاسر في مقابل عبوس العصفور، لأنني احتفظت بحبّي الأصغر معي، وفكرت، في الخريف سأسقي حبي الأكبر ليصبح حبي الأكبر ثانية تماما مثلما للعصفور منقار أكبر وواحدٌ أصغر، لي أيضا عينان أستطيع أن أفتحهما فلا أرى "مينا" وأغلقهما فأراها وينبسط وينشرح قفصي الصدري. ولو أنني أكون أقرب إلى العصفور منّي إلى الانسان في هذه الحالة. لك ثلاث حالات، قال العصفور الآخر الذي كان شاعرا وجاء من قرية " توز". وأتمّ عبارته بقوله"عندك عينان وليس عندك مهر لتخطب لك " مينا" ، ثمّ عندك عينان مغلقتان وتنظر بهما عبر حصان المتشوّقات العربيّة فتحفظ الأشياء ودقائق الرياضيات وقليلا من العشق وكثيرا من العطش، ثمّ، أنت تعرف الوحل الذي أتحدّث عنه قليلا". قلتُ: بلى، نعم، أجل بالفصحى الكرديّة مع بعض الانكليزيّة الريفيّة. هنا خرجت لنا " مينا" من قفصها الذي هو بيتُ زوجها وقالت: أنا عطشانة. فردّ العصفور: أنت تحلمين يا "مينانا"، وأنا لا أحلم حين أكون مثلك، أعاني من العطش. فكرتُ من جانبي في قوّة العصفور الذي بلا منقار على التجديد والابتكار وبالفعل كانت" مينا" تحلم، لكن العصفور أخطأ بتسميتها " مينانا" وكان اسمها أيضا ليس "مينا" بل " نغوين". آخ" نغوين"، قلتُ بدون أن أقول. فقال العصفور بدون أن يقول:" شرفة على الغبار تساوي شرفة وهي في الحقيقة ليست كذلك." ملاحظات الصنم: مفردة" نقرد" ليس لها معنى يذكر. جوكو أي يا رئيس الأصنام، حسب هذا النص. أري، أري، لغة أخرى مع اللغة."ردّ الصنم وهو كان صنم " مينا" بقوله: " أنا صنم نغوين". مدرسة كانت تنصتُ إلى اليسار مني، غرابٌ كان على ظفري الأكبر. العصفور نقرده، أي نقرد ظفري الأيسر بمنقاره الأيمن. ولم يتحطّم الصنم، ضربناه بكامل مشاعرنا التي من الأشعة فوق الحمراء من كمون شوقٍ زائد عن اللزوم. فلم نتحطّم، وكنا نعرف ان حطّمنا شوقنا فهذا ليس بالخلال السديدة. وكان مما يثير العجب أنّه إلى الأمام منا كان سدّ واسع، قيل، هذا سدّ " رأس العين"، شارعٌ يهبط بشدّة إلى المنتزهات في " رأس العين" وشارع يطلع أيضا شديدا، فينقطع نفسي انقطاعا شديدا. لماذا جئت في يقظتي إلى " رأس العين" وكنتُ قبلا في قرية " توز"، سأل الغراب نفسه على قلب ظفري الأسمن قليلا من بقية مشاعري في ذلك اليوم. السدّ ليسدّ شوقك الذي نخره الشوق والمدرسة لتدريس الغيوم بقع وشاح" مينا" والغيمة لم تكن موجودة إلا بالقوة مثل قول المتصوّفين الشرقيّين: على بقلة من حناءٍ وشتلة من صفاءٍ وحمرة من أسماء. صنمي، يا صنمي أبلغ عدوي وصديقي، أبلغ العدو قبل الصديق بحبّي ل "مينا" وبلّغ أهل العصفورِ السلاما، سلمى يا سلاما، جينا ورحنا يا" مينا"، يا "مينانا" يا "نغوينانا" جينا جينا وما رحنا وما رحنا وما ارتحنا. عودك رنّانا، قال العصفور، حين تغني عن " مينا" يا "مينانو" فأمسكتُ برشّة من كلمات العصفور ورشة أخرى وثانية تكلّمت معه ولم أكن أريد. أنت، نعم أنت، بلى أنت، أجل أنت، أري أنت، .......، أري تو، أري تو، جوكوو. أين عصفورتك التي أسميتها " مينانا"؟ في الجانبِ الآخر من الحدور الشمالية الشرقيّة، تعيش تحت جبل " قحف"، تأكل الأشواك والدود القرمزي وتغزل بعقعقتها المغازل، المغازل تحت ضياء الكهوف في الأقمار. حقّا شعرت بخزي وتأنيب الضمير، فلقد، والحقّ يقال، نبهني العصفور إلى حالتي من التهكم بحبّي ل" مينا" وذكرني أنني لم أستطع تحطيم " صنما" وهذا هو اسم " مينانا" نشرته على ورقة بيضاء والورقة البيضاء خبّأتها جيدا تحت قميصي وكنت أقول لمن لا يفهمني ولا يفهم بقية اشارتي وأحوالي وخواصي وعوامي- يا جهلة، هذا للدفء، للدفء وليس لغير الدفء يا جهلة، أحبّ" نغوين" أكثر من " مينانا" و"مينا" أكثر من " صنما" وهكذا إلى أوّله وأوّله إلى أوّله.
عبدالرحمن عفيف: على جبل مينا.
اللوحة للفنان نهاد الترك.