٢٣‏/١٢‏/٢٠٠٩

أحمد جان عثمان: هل باستطاعة الكردي أن يكون سورياً. لامست قرأءتك لـ"الأسطورة" الكردية جوهر الخطاب الآخذ بالتشكّل، على الأقل منذ انهيار الخلافة العثمانية في المنطقة، وبتشكيل الوعي القومي للشعب الكردي. أعتقد أن هذه القراءة مقبولة حتى لدى الكرد أنفسهم لأنها في النهاية تتصف بالموضوعية في طريقة تناول المعطيات بالتحليل المتلافي للأهواء الشخصية وإسقاطاتها. لكن المسألة، برأيي، ليست في أن الكرد كيف يقومون بالتأسيس لأسطورة كردية وإنما هي: لماذا يفعلون ذلك؟ طبعاً، لم تنس أن تشير إلى هذا الجانب من المسألة في كلامك، لكن، كانت إشارة عابرة في حين يستحق الوقوف عليه مطولاً. أعتقد أن وحدة العرق بدأت تجذب الاهتمام في المنطقة قبيل موت الرجل المريض، الذي كانت خلافته تعتمد على وحدة المعتقد الإسلامي. فقد كانت دول الغرب القومية، آنذاك، وراء هذا التغير الإيديولوجي في الخارطة السياسية للمنطقة حيث عادت العصبيات القومية، أصنام الجاهلية هذه إذا استخدمنا لغة الإسلاميين بما فيهم صلاح الدين الأيوبي في ما مضى، في الظهور بقوة حتى بدأ المعتقد يفقد، بصورة دراماتيكية، جاذبيته التوحيدية لصالح الأسطورة السياسية الجديدة، أي العرق. هكذا نشأت دول بلا سيادة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية وانتهت اللعبة لصالح اللاعبين الغربيين إذ تحول كل من اتفاقية سايكس ـ بيكو ووعد بلفور إلى واقع. فبغض النظر عما إذا كان العنصر التركي في الخلافة الإسلامية الأخيرة يتصف بالشوفينية العرقية أم لا فإن العرب نادوا بالانفصال عن الدولة (الإمبراطورية) العثمانية استناداً إلى حقهم المشروع في التحرر القومي وإقامة دولتهم (دولهم) على أساس "الأسطورة" نفسها التي نحن بصددها الآن. أليس المنطق نفسه يبرر الآن "التحرر القومي" و"إقامة الدولة" للكرد؟ سيما إذا أقررنا بأن سوريا، الآن، بأيديولوجيتها البعثية الحاكمة لا تقل شوفينية عن الدولة العثمانية؟! ولكنها شوفينية عربية هذه المرة. فهل سيتحول "وعد كردستان الغربية" إلى واقع، يا ترى، كما تحول وعد بلفور في ما مضى! أود هنا، ذكر حدث لعله ذو دلالة في سياق الكلام. فقد أصدرت جمهورية مصر "العربية" منذ فترة قريبة قراراً بمنح جنسية لـ380 طفلاً مولوداً من أم مصرية وأب غير مصري من عرب وأجانب كما لو أن الجنسية المصرية هبة لهؤلاء الأطفال وليست حقهم. أظنها شوفينية "قطرية" قبل أن تكون عربية. هذا ولا داع للتذكير بظروف حوالي مائتي ألف كردي بلا جنسية في سوريا. أما أنا فقد أردت "الاتصال"، يا عزت، بالحوار السوري بعدما أقمت هناك عقدين من الزمن مع زوجتي السورية وكتبت بلغة سوريا الوطنية، لكن، كانت النتيجة هي إبعادي دون أي مبرر قانوني لذلك! كذلك أنا، مثلك، أستغرب كيف أن مثقفين كرداً يفكرون داخل نسيج وحدة العرق! لكن أتفهم ذلك ما دامت سوريا، كدولة، لا تقدم لهم، في الوقت الراهن، واقعاً يحملهم على تخطي العصبيات القومية. إذن، على أي أساس نطالبهم بـ"سوريّتهم"، أولاً، المنغلقة على الذات القومية هي الأخرى؟ ألا يجب أن تكون سوريا دولة غير قومية حتى "تفرض" على الشعب الكردي الهوية السورية؟ كما تعلم، فإن حزب البعث الحاكم هو حزب قومي عربي و"قائد للدولة والمجتمع"، إذن، كيف له أن يقود المجتمع الكردي المختلف بغير سياسة التعريب وتجليات عنفها الإيديولوجي على أرض الواقع؟ ففي لحظة التغيرات الإقليمية والدولية الخطيرة، كما هي الآن، ألن تكون هذه الإيديولوجية هي المسؤولة عن حمل البلاد برمتها على حافة الهاوية؟ متى وكيف يمكننا مطالبة الكرد بأنهم سوريون قبل كل شيء؟ باعتقادي، عندما تكف الدولة السورية عن إيديولوجيتها الحالية وتخطو على السلم الإنساني نحو وحدة الحوار السوري. لم يكن الكردي، هنا، إلا سورياً بحكم المجال الجغرافي لهذا الحوار، الذي كان يشاركه (أي المجال الجغرافي) من قديم الأزمنة. وكذلك السوري هو كردي لأنه (الكردي) ليس إلا آخره العضوي الذي يشاركه الحوار ذاته. فمن دون هذا الحوار، ليس باستطاعة الكردي أن يكون سورياً كما أننا نفتقد إلى مسوغ قانوني لمطالبته بعدم الانفصال عن ما يسمّى بـ"وحدة الأراضي السورية"، التي يمكن أن تتحول، بإرادة سياسية من مجموع السوريين، إلى مجال جغرافي موحَّد للحوار الوطني المنشود. وإلا، فسوف ينبغي أن نتذكر كيف أن معظم القوميين العتيدين في المنطقة، الذين شهدوا موت الرجل المريض، كانوا مسيحيين، أمثال ميشيل عفلق وأنطون سعادة وغيرهما فهم كثر (كما لاحظ ذلك مرة صديقنا الدكتور إياس حسن). أعني لعله طغيان وحدة المعتقد الإسلامي جعل هؤلاء "يرتدون" إلى وحدة العرق، مثلما يفعل الآن بعض المثقفين الكرد أمثال الشاعر محمد عفيف الحسيني أمام طغيان وحدة العرق العربي، داعين إلى الأسطورة القومية بمثابة دين جديد، كما تقول، وله أعياد "مقدسة"! في الختام، اسمح لي أن أذكرك بفنلندا، هذا البلد الذي يعتبر إحدى الدول التي تقبل باستيطان لاجئين دوليين، أمثالي، على أراضيها. فقد طالبت فنلندا، بعيد ثورة أكتوبر الإشتراكية، بالانفصال عن الاتحاد السوفييتي. أيامئذ، حدث خلاف حول هذا الموضوع بين لينين وتروتسكي. كان تروتسكي يؤيد دخول الجيش الأحمر إلى فنلندا وإخضاع الطبقة البرجوازية فيها من خلال العنف الثوري. أما لينين، الذي لم يكن يحبذ تصدير الثورة، فكان يوافق على الانفصال إيماناً منه بأن البروليتاريا الفنلندية ستعيد البلاد إلى حظيرة الثورة. لكن، يا لسخرية القدر، لم نسمع في فنلندا إلى يومنا هذا مدافع الثورة البروليتارية، كما أنها لو كانت من البلدان المصدَّرة إليها الثورة البلشفية لأصبح مصيرها كمصير بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار جدار برلين! هل نستطيع القول إن كلاً من لينين وتروتسكي قد أخطأ في الحساب؟ ولعلنا نفعل الآن الشيء نفسه، أنت وأنا، فيما يخص "كردستان الغربية"! ـ "عن الاتصال والانفصال: الأسطورة دين جديد"، عزت عمر، منتدى الكشكول. الحوار المتمدن