١٠‏/٨‏/٢٠٠٩

جوائز احتفالية دمشق
الرسم بالكلمات
إبراهيم حسو
اشتباك المفردات .. أصوات تتدرب على الصياح
لم يسبق لي أن قرأت لمناف محمد , سواء في الصحافة المحلية أو العربية , و ربما مجموعته ( خذ ما شئت ) الصادرة عن احتفالية دمشق للثقافة العربية ,‏
وفرت ليّ عناء البحث في ( غوغل ) عن تجربته التي أراها متواضعة مخادعة و قائمة على ما هو منجز و مشاد , على رغم تشبثه العنيف بقصيدة النثر التي اقترحت عليه كتابة مقاطع متناثرة لنص هو في صلبه متناثر و مبدد , ومع ذلك لم يستطع أن يكون مخلصا حقيقيا لهذه القصيدة ومرآة صادقة لتجربته الحسيّة والحياتية المعاشة , فلم يأت بما يحذر الانتباه إليه , ولم يكشف لنا عوالم شعرية جديرة بالمتابعة و الغوص فيها , باستثناء تنقلاته المفاجئة بين مقطع وأخر عبر نصب فخاخ لخاتمات الجمل التي تكون على شكل (قفلات ) مباغتة غير متوقعة , يحاول مناف التقاط أنفاس نصوصه عبر ( القفلة ) التي صارت طريقتها متداولة و ساذجة ومرددة , وقد تكون هذه النوعية من الكتابة تهلكة للشاعر إذا ما أحسن استدعاءها و ترويضّها بسياقات متدفقة و متنغمة و مختزلة , و مهما يكن فإن ( خذ ما شئت ) مقامة على أس التدفقات الشعورية (المنتظمة ) و المحبوكة بشكل ترادفي تهيج الكثير من الدهشة و الغرابة لكيفية بناء الجملة الشعرية, و تمريرها عبر أنفاق مظلمة من مفردات تتكرر على طول المجموعة, و تتشابك باعتباطية غير معقولة, مع ما يرادفها من جنس ذاتها , فمفردة ( حلم ) تستعمل في كل مقطع و تعاد بكلمة شبيهة مثل ( رؤية ) و مفردات مثل ( عيون ) و (قلب ) و ( عشق ) و ( ورد ) ويكاد تكرار هذه المفردات يثقل كاهل النص و يعصف بالقارئ المسكين :‏
عيون تبحث عن وجوه مألوفة ووجوه تهرب من عيون تراقب فتاة تعّدل سترتها و عجوز يجلس على الرصيف وأنت جالس في بيتك‏
تفكر في الكرسي الذي تجلس عليه عادة .‏
مشكلة مناف محمد انه يستعجل في شرح أفكاره الشعرية و توضيحها سردياً , ليفسح للمعنى أن يتمظهر, و يبدو كأنه مطارد و محيّر , يسّد الطريق أمام المجازات و المدلولات المخنوقة أن تعبّر عن نفسها بلغتها الشعرية وليست بلغة القص, و السرد التي تذبح اللفظ و المعنى معا دون أن يكون للشاعر دراية بما تفعله السياقات اللغوية , وما ترغب بالوصول إليه , بهدف تسطيح اللغة و تجريدها من جماليتها و تلقائيتها النقية المنسابة :‏
لا عيون تبكي في وداعنا لا أيادي تلّوح بالمناديل لنا‏
نحن الذين اعتقدنا بأن الشمس ستكسف لرحيلنا .‏
المصادفات و الكلمات المتشققة و المخيلة المعطوبة تماما من عناصرها هي سمة ( خذ ما شئت ) بالرغم من نقاوة اللغة الزلال, و الإنشاء الحكائي الذي اختصر موضوعات شعرية كانت متعة النص, و احتمالات نضوجه التي على ما يبدو لم تدم, و لم تكن لها بؤرة في كتابة هي أشبه بأصوات تتدرب على الصياح.
جريدة الثورة السوريّة.