٢١‏/٦‏/٢٠١١

كان يقول لي دائماً: لاتغب عن عامودا لأكثر من شهر، لنركَ.
كنتُ الإبن العاق، غبتُ اثنين وعشرين عاماً. هو الشيخ أرسلني إلى مدرسة السريان. تعلمتُ فيها شدّ حبل الناقوس، وكلمات فرنسية، والأيقونات.
شيخ اللغة، وصديق أدونيس، إبن عربي، والملا الجزيري. عاش معهم ثمانين عاماً.

ولد في كري موزا، وأخذ علومه من عامودا، ولم يخرج منها أبداً.
خزّان السماوات والأرض؛ ذاكرة تشبه جبرائيل والبروق.
يقرأ في الفجر، والظهيرة، والليل، ثم الفجر الثقيل، ولاينام.
لم اقبّل يده أبداً، لأنه كان يرفض.
لم أودّعه، لأنني كنتُ أعرف سأغيب عنه طويلاً هذه المرة.
أتصل به فلايسمعني، ولم يعد يتذكرني، فأبكي.

سيموت، ولن أستطيع السفر إليه بسبب الدبابات ـ أنا كبيره الشقي العاق.
***
صمون وحليب.
قرآن قديم، مغلف بجلد غزال، حاولتُ أن أسرق منه.
***
عند سريره، تلك النسخة من القرآن، الأناجيل، صوت ناقوس السريان، طيف ابنيه المنفيين، مجلد من مجلة الرسالة التي كان يكتب فيها.
***
يترك باب غرفته مفتوحاً، وينتظرني. يهمهم: ربما سيأتي اليوم بعد كل هذا الغياب.
***
أنا ابنك العاق، ياشيخي.
***
الطريق إليك بعيدة،
والأمطار تنهمر من جسر الشغور، حتى عامودا.
***

أرتبك أمامك، وعلى علومك، التي كنتُ أنافسك فيها، فأخسر دوماً، مثلما خسرتني، ياشيخي الكبير.
الشيخ عفيف: محمد عفيف الحسيني