٤‏/٢‏/٢٠١١


يلتقط معظم الشعراء القادمين إلى حمص.. الشيفرة، فيصوغون مقدماتهم الشعرية، أو الكلامية، بمديح مدينة الشعر والشعراء: حمص!.ولا تأتي هذه الصياغات المليئة بالتبجيلات في سياقات الوحي الشعري، أو الارتجالات، ولا كآثار لصدمة جمالية وثقافية تسببها هذه المدينة، إذ إنه توجد ثمة «شيفرة» مكرسة وسائدة ومعممة، وقد قام الشعراء «الحماصنة» أنفسهم بإشاعتها وتمريرها عبر اللقاءات والصداقات والمداولات بين كتّاب الشعر ومريديه.. حتى أصبحت مقولة أو حقيقة ثقافية، يلهج بها الجميع!. ‏وللحقيقة.. ليس الحماصنة فقط من يؤرّقهم هذا الهاجس، فثمة مناطق أخرى تداعبها هذه الرغبة. سلمية، أيضاً، وعامودا، كذلك. ‏وإذا كانت «سلمية» قد قدّمت للمشهد الشعري السوري (والعربي عموماً) قامات شعرية تركت آثار بصماتها الواضحة والباسلة.. لدرجة معرفة اسم المقصود من دون ذكر اسمه، وإذا كانت «عامودا» ـ الجزء الأقصى من الوطن ـ قد ساهمت في صياغة التشكيل الشعري العربي من خلال تجربة الشاعر سليم بركات، فالحقيقة.. أن حمص ـ مدينة الشعر والشعراء، كما يحب البعض أن يسميها ـ لم تقدّم اسماً مرموقاً، ولا قامة شعرية رفيعة، وبدهي.. أنه لم تخرج من حمص تجربة شعرية لها سماتها وخصائصها الإبداعية بحيث تشكل نسقاً شعرياً يمكن الملاحظة إليه، والتماس صياغاته الخاصة في التعبير والرؤية، في الشكل والمضمون. ‏والصحيح أيضاً، أن جميع التجارب الشعرية (أو معظمها) في مدينة حمص تدور في الفلك ذاته، وتلعب في المنطقة نفسها.. بحيث باتت معلومة ومكشوفة للمتابع.. تلك الألاعيب الشعرية داخل النص، بل.. حتى المفرقعات والألعاب النارية لم تعد تلفت انتباه أحد. ‏في المنافسة على المنصة، تنتصر سلمية وعامودا، وهذا الانتصار ليس من قبيل التعبيرات المجازية. إنه أمر واقعي وتاريخي، والانتصار مستمر.. بمعنى أن الحركة الشعرية في هاتين المنطقتين تتمايز عن الحركة الشعرية في حمص. ليس لصالح الشعراء الحماصنة، بالتأكيد. وبمعاينة المشهد الشعري في تلك المناطق الثلاث (حمص، سلمية، عامودا) يمكن اكتشاف المفارقة الأكثر مرارة، فالتجارب الشعرية القادمة من قرى الوطن وبواديه تبدو أكثر اهتماماً وانحيازاً للحداثة الشعرية، كمقولة وكفضاء، في حين تمارس المدينة (مدينة حمص الواقعة في قلب الوطن) نكوصاً شعرياً من نوع فريد ومثير!. فمدينة الشعر والشعراء، تلتفت حول قصيدة التفعيلة، وتحتفل بقصيدة العمود، وتأنف قصيدة النثر. والشعراء الحماصنة الشباب.. لا يجرؤون على الاقتراب من قصيدة النثر لاعتبارات كثيرة، وغالباً ما يكون الأمر بعيداً عن الخيارات الشعرية.. وأقرب إلى تفادي الضربة القاضية التي يتقنها المتنفذون في أروقة وكواليس المشهد الشعري الحمصي. ‏أرياف.. ومدن، قد تثير هذه الثنائية حفيظة البعض، لكن تأملوا الأسماء: محمد الماغوط، أدونيس، سليم بركات. وربّما لا يمكن إضافة اسم الشاعر نزار قباني.. عندما يتعلق الأمر بالحداثة الشعرية، وإذا كان من الممكن إضافة اسمه فسيكون ذلك بعد مساجلات طويلة ومريرة. وفي هذا السياق.. ليس من قبيل المصادفة أن يقوم شاعر حمصي (محمد علاء الدين عبد المولى) بالدفاع عن نزار قباني من خلال كتاب حمل العنوان: دفاعاًً عن نزار قباني، وليس من قبيل المصادفة.. أن يضع الشاعر نفسه كتاباً ينسف فيه قصيدة النثر. لعلّ هذا الأمر.. يؤرق الشعراء الحماصنة الذين يديرون منذ أعوام طويلة مهرجاناً شعرياً كبيراً في رابطة الخريجيين الجامعيين، لكن من دون فائدة. ولعلّ الأمر ذاته.. يسمح لنا بفهم القصد من وراء ذهاب الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى الى مسابقة "أمير الشعراء") في قناة تلفزيونية خليجية. تأملوا اسم المسابقة جيّداًَ: أمير الشعراء!!. وفي حال فوز الشاعر عبد المولى بهذا اللقب.. فسوف يكون بلا شك خليفة الشاعر أحمد شوقي، وهذه خلافة ملائمة وطبيعية، فرغم البضعة عقود من السنوات التي تفصل بين الشاعرين، إلاّ أن ثمة تشابهاً مريباًَ بين التجربتين. ‏وبملاحظة شريط الرسائل على تلك القناة المذكورة، الذي يبث ترشيحات المشاهدين لاختيار أمير الشعراء، يمكن ببساطة اكتشاف ذلك الالتفاف الحمصي حول الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى.. وهذا يدلل على طبيعة المناخ الشعري والبيئة الثقافية في مدينة ابن الوليد.. التي يبدو أنها تحتاج الى وقت طويل.. قبل أن يصبح اسمها: مدينة الشعر والشعراء. ‏حمص تنتج شعراًَ على الطريقة الصينية: إنتاج كثير، وجودة أقل!!. ‏مدن الشعراء من حمص إلى سلمية مروراً بعامودا!| طارق عبد الواحد |
اللوحة للفنان نهاد كلي.