١‏/٢‏/٢٠١٠

إبراهيم حسو: رغدة قاسم و صحوة القلق. تخفي الشاعرة الشابة رغده قاسم المولودة في (الحسكة 1982 ) قلقها و هشاشة روحها في الكلمات, فلا تأتي الكلمات مطواعة أو منسابة كما يحلو للنص الشعري, كلماتها متقرحّة متألمة من وجع ما, لا معنى له أمام تضحيات اللغة التي تدفع بالغالي و الرخيص من اجل استنطاق النص و تحريكه نحو الطيران. قلق مغلق على ماض مفتوح, و مفتون يكبّل المعنى, و يلهبه في أمكنة و يرطبّه في أماكن أخرى, بالمقابل ثمة خيال ناعم تتسلمه اللغة و تجمّل صوره في لعبة التشابهات, والأضداد في الكشف عن مفردات محتبسة, و فك أسرها في الركض وراء صور تنكمش, و تنفلت كصفحة الماء الكدرة (الضفةُ لا تحمل أكثر من نهر, مع ذلك هل تظن أن السماء , تتدلى , من حافة السرير , دون أن تسترَ الخواءَ اللاهبَ لأصابع الانتظار . )‏‏ نصوص رغده قاسم بسيطة في بلاغتها, و مكشوفة في سرها الرقيق الذي يشبه اصفرار السماء لحظة المغيب , تقدم قلقها للجميع دون أن يرف لها جفن الشك , قلقها رغبات مخضرّة ممزوجة بماء الأنثى المحيّر.‏‏
الآن فقط عرفت‏‏ بأن اسمك يقرأ من عيونك‏‏ وأن أنوارك عنوان بريد روحي‏‏ وبوح أسراري المدفونة في محراب صمت عابر .‏‏ الآن فقط عرفت‏‏ وقع رنين أحرفك من البعيد القريب على مسمع جسدي‏‏ رنين شاعر خلق أسيراً للشعر‏‏ وخلقت الكلمة العذراء بين شفتيه .‏‏ الآن فقط عرفت‏‏ ثمن الدموع التي ذرفها والدي عليّ‏‏ وثمن حب عاثر لخطوط سمر في جبهته‏‏ فأدركت أشيائي الخاصة من بين سطورك و دفاتره الخفية .‏‏ الآن فقط عرفت .. أمي التي كنت أشبهها‏‏ صارت اليوم تشبهني‏‏ لأنني الآن أدركت ما أشبهه و ما يشبهني‏‏ الآن فقط عرفت‏‏ لم يعد لي سلطان على روحي أو على قلبي‏‏ روحي التي تسافر نحوك دون جواز سفر‏‏ وقلبي يتدفق بحنين دون ان اعرف‏‏ فقط عرفت الآن‏‏ كيف لي التجمل بنجوم الليل لأجلك‏‏ والرقص مع طيور الفجر حتى تغني لك‏‏ والسير على أولى خيوط الشمس بقربك‏‏ الآن فقط أدركت‏‏ كم أحببت رائحة التراب والحصاد وصوت الحجل في طريقي إليك‏‏ وأشعة الشمس الغارقة تأتيني بظلالك .‏‏ الآن فقط أدركت‏‏ إني لم أكن أدرك معنى ألحان طائر الحجل‏‏ وما بعد العبير المنتشر في البراري‏‏ الآن أدركت النسائم المدغدغة ما بين الأضلع‏‏ فقط الآن عرفت كم إني لا أعرفك .‏‏ 2‏‏ لو جهدَ أن يغفو هذا الهدوءُ‏‏ المنسابُ من قصاصات الشتائم.‏‏ مساءٌ أكيدٌ لهذه القبلة المغبرَّة‏‏ بالأحلام البائسة‏‏ مساءٌ أكيدٌ‏‏ وحدك تذهب فيه‏‏ مليئاً بالدمامل والضباب،‏‏ الضفةُ لا تحمل أكثر من نهر‏‏ مع ذلك هل تظن أن السماء‏‏ تتدلى‏‏ من حافة السرير‏‏ دون أن تسترَ الخواءَ اللاهبَ لأصابع الانتظار.‏‏ 3‏‏ زُرَّ الماءَ أغنيةً سهلةَ الانقياد‏‏ جِدِ الرملَ الواجفَ على قبضة الطلقة‏‏ لتكون الوردةُ آخِرَ إناءٍ‏‏ يتناسلُ فيه حزنُكَ.‏‏ وليكن المساءُ أوّلَ إعلان‏‏ تشدُّ به الرحيلَ‏‏ إنَّ الزغبَ النامي‏‏ على حافة الشفتين مخيفٌ حَدَّ الخوفِ‏‏ . مسرعٌ .. صلاةٌ‏‏ هكذا نحن مدجَّجون في انحناءة العودة‏‏ مدججون هكذا نحن . . مؤجَّلون‏‏ نذهب منقّبين عن طفولتنا الهاربة‏‏ في أول مواجهة تمدُّ إلينا النومَ‏‏ والرصاصَ والأمهاتِ‏‏ هكذا نحن بجنوحٍ هائلٍ نحو الفراغ‏‏ تمامَ النوبة أخبارَ المراثي‏‏ واحتدامَ البكاء‏‏ هكذا نحن نثقبُ العشبَ المائلَ‏‏ في انحناءة الجفن‏‏ لاهين بأسمائنا المصابة بحمّى السراب‏‏ لا تتركني قليلا في الأغنية‏‏ لا تتركوا الأغنيةَ طويلا في ظل النخيل‏‏ و الخوفَ والدهشةَ لا تتركونا.‏‏
عن : جريدة الثورة.