إبراهيم حسو: رغدة قاسم و صحوة القلق. تخفي الشاعرة الشابة رغده قاسم المولودة في (الحسكة 1982 ) قلقها و هشاشة روحها في الكلمات, فلا تأتي الكلمات مطواعة أو منسابة كما يحلو للنص الشعري, كلماتها متقرحّة متألمة من وجع ما, لا معنى له أمام تضحيات اللغة التي تدفع بالغالي و الرخيص من اجل استنطاق النص و تحريكه نحو الطيران. قلق مغلق على ماض مفتوح, و مفتون يكبّل المعنى, و يلهبه في أمكنة و يرطبّه في أماكن أخرى, بالمقابل ثمة خيال ناعم تتسلمه اللغة و تجمّل صوره في لعبة التشابهات, والأضداد في الكشف عن مفردات محتبسة, و فك أسرها في الركض وراء صور تنكمش, و تنفلت كصفحة الماء الكدرة (الضفةُ لا تحمل أكثر من نهر, مع ذلك هل تظن أن السماء , تتدلى , من حافة السرير , دون أن تسترَ الخواءَ اللاهبَ لأصابع الانتظار . ) نصوص رغده قاسم بسيطة في بلاغتها, و مكشوفة في سرها الرقيق الذي يشبه اصفرار السماء لحظة المغيب , تقدم قلقها للجميع دون أن يرف لها جفن الشك , قلقها رغبات مخضرّة ممزوجة بماء الأنثى المحيّر.
الآن فقط عرفت بأن اسمك يقرأ من عيونك وأن أنوارك عنوان بريد روحي وبوح أسراري المدفونة في محراب صمت عابر . الآن فقط عرفت وقع رنين أحرفك من البعيد القريب على مسمع جسدي رنين شاعر خلق أسيراً للشعر وخلقت الكلمة العذراء بين شفتيه . الآن فقط عرفت ثمن الدموع التي ذرفها والدي عليّ وثمن حب عاثر لخطوط سمر في جبهته فأدركت أشيائي الخاصة من بين سطورك و دفاتره الخفية . الآن فقط عرفت .. أمي التي كنت أشبهها صارت اليوم تشبهني لأنني الآن أدركت ما أشبهه و ما يشبهني الآن فقط عرفت لم يعد لي سلطان على روحي أو على قلبي روحي التي تسافر نحوك دون جواز سفر وقلبي يتدفق بحنين دون ان اعرف فقط عرفت الآن كيف لي التجمل بنجوم الليل لأجلك والرقص مع طيور الفجر حتى تغني لك والسير على أولى خيوط الشمس بقربك الآن فقط أدركت كم أحببت رائحة التراب والحصاد وصوت الحجل في طريقي إليك وأشعة الشمس الغارقة تأتيني بظلالك . الآن فقط أدركت إني لم أكن أدرك معنى ألحان طائر الحجل وما بعد العبير المنتشر في البراري الآن أدركت النسائم المدغدغة ما بين الأضلع فقط الآن عرفت كم إني لا أعرفك . 2 لو جهدَ أن يغفو هذا الهدوءُ المنسابُ من قصاصات الشتائم. مساءٌ أكيدٌ لهذه القبلة المغبرَّة بالأحلام البائسة مساءٌ أكيدٌ وحدك تذهب فيه مليئاً بالدمامل والضباب، الضفةُ لا تحمل أكثر من نهر مع ذلك هل تظن أن السماء تتدلى من حافة السرير دون أن تسترَ الخواءَ اللاهبَ لأصابع الانتظار. 3 زُرَّ الماءَ أغنيةً سهلةَ الانقياد جِدِ الرملَ الواجفَ على قبضة الطلقة لتكون الوردةُ آخِرَ إناءٍ يتناسلُ فيه حزنُكَ. وليكن المساءُ أوّلَ إعلان تشدُّ به الرحيلَ إنَّ الزغبَ النامي على حافة الشفتين مخيفٌ حَدَّ الخوفِ . مسرعٌ .. صلاةٌ هكذا نحن مدجَّجون في انحناءة العودة مدججون هكذا نحن . . مؤجَّلون نذهب منقّبين عن طفولتنا الهاربة في أول مواجهة تمدُّ إلينا النومَ والرصاصَ والأمهاتِ هكذا نحن بجنوحٍ هائلٍ نحو الفراغ تمامَ النوبة أخبارَ المراثي واحتدامَ البكاء هكذا نحن نثقبُ العشبَ المائلَ في انحناءة الجفن لاهين بأسمائنا المصابة بحمّى السراب لا تتركني قليلا في الأغنية لا تتركوا الأغنيةَ طويلا في ظل النخيل و الخوفَ والدهشةَ لا تتركونا.
عن : جريدة الثورة.