٢٠‏/١‏/٢٠١٠

ابراهيم حسو: أشعار تدلي بحزنها. رغم نشر أغلب إصداراته الشعرية في التسعينات إلا انه شاعر ثمانيني بامتياز، ظهر مع الرعيل الثاني من شعراء قصيدة النثر في سورية , شارك هذا الشاعر إلى جانب أسماء شعرية أخرى لمعت فيما بعد في التسعينيات و بداية الألفية الثالثة في رسم ملامح جديدة لوظائف قصيدة النثر اليومية الحياتية و نظرة أخرى صاخبة لرؤية العالم و الأشياء من منظور إنساني فلسفي عميق من خلال جملة تحولات غربة الإنسان عن عالمه و أرضه و ناسه و انكسارات هذا الإنسان أمام تحديات العقل والآلة و كل ذلك في محاولة يائسة لمنح الشعر أكثر من معناه , المعنى الأوسع لكلمة ( الإنسان ) و اكتشاف رؤى تعبيرية أكثر جدارة بالإنسان الجديد , و قد يأتي إصدار فواز الجديد ( لم تأت الطيور كما وعدتك ) عن دار الغاوون تتمة لمشروعه الشعري الذي بدأ الاشتغال عليه منذ بداية التسعينيات و قد أوقفته الهجرة مدة من الزمن إلى أوروبا و البقاء هناك متفرجاً من بعيد أو من قريب حيناً على تقلبات المشهد الشعري السورية , و يبدو للوهلة مشروع فواز ككل المشاريع الشعرية الآيلة إلى التوقف أو الانهيار أو التأجيل الذي لا عودة إليه , لكن ثمة شيء يوقفك في مشروع هذا الشاعر المثقل بالأسى والحنين و حال الغربة و الترحال و غياب المسرات، انه فن تمجيد الفجيعة الذي يلعب عليه الشاعر بإحكام يهيج الشهوة بالإجهاش و العويل , و يمكن وصف هذه النوعية من الكتابة بالمناجاة أو تضرع الشاعر للأنثى و الأشياء و الكون , كأنه في وداع مستمر لكل الأشياء التي اجتازت حياته و أصبحت سهماً من ماضيه , و كذلك يطرح الشاعر عبر هذه الفجائعية المبهمة الحياة الجديدة التي يعيشها في البلاد الباردة ( ألمانيا ) و صلاته الغامضة مع التجربة الشعرية الجديدة الملازمة لعزلته و متاهته , حيث تظل الأسئلة متأججة على الدوام على رغم بساطتها و عمقها الفلسفي , انه بحث في قيعان الكلمة و تجذرها أو تشكلها عبر التوغل في جلد الذات و فتح ذلك الندب النرجسي الرائع الذي يحتفظ به الشاعر كنوع من ارتباطه بالحياة المتخيلة الجديدة التي يعيشها في المخيلة الشعرية اللاواعية أو كما يقول في الحياة المقبلة : ( شربنا نخب من بقوا على قيد الأنين نخب حياة تشبه الموت و نثرنا على الطاولة أحلامنا وحسبنا الخسائر أعدنا القيود إلى وضع يستقيم به الحزن و حين استعصت علينا المسائل كلها قلبنا الفناجين على أفواهنا و اتفقنا على موعد في الحياة المقبلة ) .‏ كتابة ( لم تأت الطيور كما وعدتك ) تأتي ضمن الكتابة الشعرية التي تتخذ من القارئ شريكاً في التنقيب عن أجوبة فلسفية أو فكرية يطرحها الشاعر عبر جملة مواضيع إنسانية حميمية مثقلة بالرؤى المستقبلية ومثخنة بالتصورات لحياة إنسانية جديدة , حياة يصنعها الشاعر بأدواته و إزميله اللغوي و لبنات كلماته المجبولة من عصارة روحه و ذاكرته : ( كلما عاد غريب إلى الديار سمعت في صدري عواء ذئب أسير ) .‏ مجموعة ( لم تأت الطيور كما وعدتك ) بكائية ناعمة أو هي احتفاء حقيقي بالبكاء كشكل من أشكال تعبير شعري رصين تقدم الحب كعاطفة مكسورة الجناحين لا حول له ولا قوة مكتفياً بصراخه و عويله المستمرين اللذين لا ينقطعان على طول (80 ) صفحة و صدى ذلك البكاء ( الناقم ) الذي يكسر زجاج القارئ دون رحمة : ( لم تأت الطيور إلى أصباحي و تخيلت ربيعاً يبارك شجري و يقلَب حجري الفتان على وجهه العشبي و لاينسى مطراً يتذكرني ) .‏ تظهر رؤية الشاعر واضحة و جلية نحو مواضيعه، فها هو يناجي الطيور التي تأخرت على ما يبدو في وداعه و التي قد تبدو إنها تشي بالنسبة إليه بأكثر من وصية شعرية مقاصدها إلباس النص تحولات الحياة والإعراب أكثر عن العمق الإنساني تجاه الكون و الطبيعة.‏ ( لم تأت الطيور كما وعدتك ) شعر - فواز قادري - بيروت عن دار الغاوون 2009‏
كتب الأربعاء 20-1-2010 . عن جريدة الثورة السورية.