٣‏/١٠‏/٢٠٠٩

بعثيه وهيّ ,بعثيه, ماني سمعان بعثيه, شدوها شويه, بعثيه, بعثيه نزلت عشارع , الله أكبر إلي يمانع.
خالد عيسى: رابعاَ: مقر اتحاد شبيبة الثورة. ارتبط اسم اتحاد شبيبة الثورة في عاموده مع توتوكا مالا شمّو. وفي ذلك تلخيص وتبسيط للجو العام في عاموده,وفيه من الدروس و العبر بما يكفي المؤرخ لما كان عليه العاموديون من حال. فمن القصص و الطرف العامودية حول الشبيبة والشبيبيين, ذكر لي أحدهم بأنه انتسب إلى الشبيبة أحد الأبناء الصغار لحج يحيى الباديني, فعلم به أخوه جميل, وبعد الاستجواب قال الطفل لأخيه بأنه انتسب إلى الشبيبة من أجل الحصول على علامات إضافية, وأنه فقط ينفخ في التوتوك (البورظان) ضمن الفرقة الموسيقية في الشبيبة, فاكتفى جميل بإعطاء بعض النصح لأخيه الصغير ولم يعاقبه. وفي نهاية العام, تبين لجميل بأن أخاه قد رسب في صفه, وأن شبيبته لم تنفعه, فقال جميل لأخيه :والآن انفخ جيداَ إذا في توتوكة بيت شمّو. لأن مسؤول الشبيبة كان من بيت شمّو. كان يتم ترغيب وترهيب الطالب منذ المرحلة الإعدادية للانتساب إلى اتحاد شبيبة الثورة, والهدف الرئيس لهذه المنظمة هو تهيئة الشباب على قبول النظام السياسي القائم و استمراريته. كانت قيادة هذه المنظمة بيد العناصر الموالية والمنتفعة من النظام القائم. وكانت الأجهزة الأمنية والبعثية تعتمد أساساَ على الاختلافات الدينية والقومية والفكرية والعشائرية كمرتكز لقوتها, وكمبرر لوجودها. فكانت تعتمد على فئة أو فئات من الشعب لقمع فئة أو فئات أخرى, حسب الضرورات السلطوية. وكانت السلطات الأمنية قد اختارت موقعاَ مدروساَ لبناء مقر لمنظمة اتحاد شبيبة الثورة في عاموده. إذ كان ذلك الموقع يتوسط المدرسة الثانوية من جهة الغرب و شعبة التجنيد من جهة الشرق. وحسب التقديرات الأمنية, بعد توليف التلميذ بتعاليم البعث العربي الاشتراكي في ثانوية أبي العلاء المعري على أيدي الموجهين البعثيين, كان طريق التلميذ الجغرافي وتوجهه المرسوم سيقودانه إلى مقر اتحاد شبيبة الثورة. وفي هذه المنظمة كان سيجب تحضير عناصر من المؤازرين والمسوقين للكوادر الفاسدة والعابثة بمقدرات الجزيرة وعموم البلاد السورية. وكان حسب المنطق الأمني, سيشكل الفاشلون عناصر جيدة تحتاجها شعبة التجنيد التي تلي مقر الشبيبة في عامودة. ومن شعبة التجنيد سيتم إرسال العاموديين لممارسة واجبهم في الدفاع عن السلطة البعثية القمعية. في عاموده بين عامي 1977 و 1978 كانت الحالة المعيشية العامة صعبة جداَ. فتعتمد المنطقة اقتصادياَ على الزراعة بشكل أساسي. وتحتكر الدولة امتياز تجارة وتصنيع الحبوب, وتفرض على المنتجين أسعار شراء محاصيلهم. ومنذ عام 1976 , بدأت الدولة, فضلاَ عن احتكارها لتجارة العلف, تحتكر بيع البذار أيضاَ. أثقلت السياسة الاحتكارية, و التسعيرات غير العادلة كاهل المزارعين الصغار والفلاحين و مربي الماشية. فضعفت القوة الشرائية لسكان المنطقة, بشكل لم يسبق له مثيل. كانت حالة الفقر مخيمة على عامة الناس. وكانت أجهزة الدولة أيضا في حالة إرباك فظيعة. فكميات الطحين المسموحة بيعها إلى المطاحن لم تكن تكفي تموين السكان بالخبز الكافي. وفي بعض الأحيان أصبح المواطن بحاجة إلى إعلان ولائه للسلطة ورموزها أو ارشائهم للحصول على الكميات اللازمة من السكر والشاي والزيت والسمن والدخان . كانت أغلبية المزارعين الكبار والتجار الميسورين يبحثون عن كسب ولاء رموز السلطات الأمنية, وكانوا يتسابقون فيما بينهم لارشاء رجالات الأمن وتقديم الهدايا لهم بمناسبة وبدونها. وكانت الفئة غير المالكة هي الأكثر فقراَ من بين سكان عاموده. وكانت الفئة المطرودة من أراضيها الزراعية تتحول إلى حرفيين أو تجار صغار أو مهربين أو مهاجرين في ديار الغربة. في المناطق الكردية, كانت تسعى السلطة إلى انتهاز واقع التعددية القومية والعشائرية بالدرجة الأولى, وبالاعتماد على الاختلافات الفكرية بالدرجة الثانية. والحالة المعيشية المتدنية كانت ترغم الكثيرين على تلبية أوامر ومطالب رموز السلطة. فلترسيخ الشقاق والفرقة بين أهالي المنطقة كانت قيادة حزب البعث و منظمة اتحاد شبيبة الثورة بيد بعض العناصر العربية, أو العناصر التي تدعي بأنها عربية. وفي بعض الأحيان كانت تسند هذه القيادات إلى بعض العناصر المسيحية, أو بعض العناصر الكردية الخارجة عن الأطر التقليدية. و بغية الاحتماء بالسلطة والاستفادة منها, كان يلجأ بعض الفقراء من كل الفئات إلى الانتساب إلى اتحاد شبيبة الثورة. وهكذا كان عدداَ لا بأس به من شباب الخاتونيين, وبعضاَ من الميردنلية قد انتسب إلى البعث والشبيبة. بينما كان القسم الأكبر من شباب الميردنلية و القبالاتية والراژنية والتات يتبعون التنظيمات الناصرية. وكان شباب الكرد منقسمين بين التنظيمات الكردية والشيوعية. و أذكر من الشيوعيين البارزين أحمدێ بركي, ابن پيرا ميرو (الجدة ميرو), وكان قد تمكن من إرسال أولاده للدراسة في الدول الاشتراكية. حسب علمي, كانت پيرا ميرو (اوجاغ, مقدسة) من أتباع الشيخ سلطان شيخموس. قبل عملي في عاموده, كنت قد زرت مزار الشيخ المذكور الواقع بين ماردين وآمد (دياربكر). وكان المعروف عن هذا المزار هو ببعث المحبة والألفة بين القلوب, وكثرت الروايات التي تفيد بأن زوار هذا المزار من الشباب والفتيات قد تزوجوا معاَ فيما بعد. وفي قرية صوغانا, الواقعة في جنوب عاموده, كانت المياه غير صالحة للشرب, فخصّ الشيخ سلطان شيخموس بمريديه نبعاَ من الماء العذب وتبرك به عليهم في تلك القرية, حسب اعتقاد مريدي الشيخ المذكور. وكان يعتبر بعض المسلمين المتصوفين سلطان شيخموس سلطاناَ لكل الأولياء والأنبياء. وهؤلاء المتصوفون يقسمون كالتالي: بخوه دێ (بالله) و كالكو (الجد) وبوبێ گوري (بوب الأصلع) و كه نارێ ژوري (الصخرو العليا) و أحمد رفاعيێ عه نزه لي (أحمد رفاعي العنزلي) وشێخ داودێ بڴولي (شيخ داود صاحب الجدايل) وسلطان شێخموس, سلطانێ حه موو أوليا و أنبيائپن خوه دێ (سلطان كل أولياء وأنبياء الله)و گولا شين (البحيرة الزرقاء, أي السماء) و به يره قا ره نڴين(العلم الملون, أي علم كردستان حسب بعض التفسيرات). وكان بعض من شباب مالا درێعي (آلوجي), و مالا عوجى, وأولاد نعمتو يدعمون الحركة الشيوعية وينظمون لها الشباب في عاموده. كان نعمتو اومرياَ, وكان على رأسه لفه صفراء, كان بائعاَ للخضرة و الفواكه, و كان من أولاده محمود الذي أصبح مديراَ لإحدى المدارس في عاموده. وعند ذكر مالا درێعي, يتوجب ذكر الأستاذ والفنان الكبير عبد الرحمن درێعي, الذي التقيت به برفقة عازف البزق الشهير محمد شێخو, وذلك في الدرباسية بمناسبة حفلة زفاف بطل الدرباسية عبد القادر سالم (قادو أبو النور). كان عبد الرحمن درێعي رساماَ مبدعاَ, وعزفه على الناي لم يكن أقل إبداعا وروعة من لوحاته الفنية. ولم تول السلطات هذا الفنان العظيم ما يستحقه من دعم وتكريم. وأذكر أن الصراعات بين جميع هذه الفئات العامودية لم تتعد السجال والنقاش, ومع أن البعثي كان معزولاَ شعبياَ, و لم يكن مرغوباَ فيه بين العامة, فلا أذكر أي اعتداء على أي عنصر من عاموده موال للبعث أو الشبيبة. و لربما كانت علاقات القربى والجوار والمصاهرات بين العاموديين تخفف الوطأة, وكان بفعل الخوف من الأمن أيضاَ ينجو هؤلاء من كل اعتداء. ورويت لي أمثلة على العقوبات التي كانت تفرضها العائلات الوطنية على المغرور بهم من أبنائها, ودفعاَ للإحراج, لا أريد ذكر تلك الأمثلة هنا. وكلما كنت تسأل أحد البعثيين أو الشبيبيين على انفراد عن سبب انتسابهم إلى هاتين المنظمتين, يقول لك :( ياخي حتى نمشي حالنا),أو(حتى نقدر نعيش). فتحولت هاتين المنظمتين, بشكل ما, إلى نوع من مكاتب لتوزيع شهادات حسن السلوك, وخاصة للمرشحين للعمل في القطاع العام. وكان خضر الأعرج (ماردنلي) حاضراَ في كل المناسبات البعثية, وكان يصعد على أكتف رفاقه ويردد الشعارات والهتافات بحماسة قلّ من نوعها. وكان الوطنيون يستهجنون سلوك بعض الشباب الكرد من أهالي تعلكي الذين كانوا يعملون في صفوف البعث والشبيبة. كانت منظمة الشبيبة هي الجهة الوحيدة المدعومة من قبل السلطة لممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية. ولترغيب الشباب بشكل أكثر أصبح الطالب الشبيبي له الأفضلية في العمل والتعليم. ومن أوجه تفضيل الشبيبي على زملائه, كانت تضاف علامات إضافية إلى مجموع علاماته عند نيله شهادة الثانوية العامة. ولأن مقر حزب البعث العربي الاشتراكي كان في وسط المدينة, وكان يقع على الشارع الرئيس الجنوبي ( على امتداد البلدية نحو الشرق), بالقرب من سينما مالا مجدو (صاحب السينما كان وطنياَ), فلم يكن هذا الموقع مناسباَ لإقامة الاحتفالات والمهرجانات الرسمية في المناسبات البعثية, ولذلك كانت تقام هذه التظاهرات في مقر اتحاد شبيبة الثورة. كانت السلطات الأمنية والتعليمية تقود التلاميذ من كل المراحل إلى بهو مقر الشبيبة في كل مناسبة, ويتم إجبارهم على سماع الخطب الجوفاء, وكان عليهم ترديد الشعارات والعبارات التي يجهلونها في أغلب الحالات. هادا اليوم الچنا نريدو, حزب البعث يا عگيدو, بعثيه وهيّ ,بعثيه, ماني سمعان بعثيه, شدوها شويه, بعثيه, بعثيه نزلت عشارع , الله أكبر إلي يمانع. والطريف في الأمر أن الكثير من التلاميذ كانت لا تفهم معنى تلك الكلمات. على ما أذكر, كان من أكثر العاموديين نشاطاَ في حزب البعث وفي اتحاد شبيبة الثورة, هما الأخوين محمد واحمد شمّو, وكان بيتهم في الطرف الشمالي من الطريق الرئيس, في حي الملالي بقرب بيت عصمت سيدا, على الشارع الموازي لنهر عاموده المركزي(الذي يمر بمركز البلدة). قال لي أحدهم بأن أولاد شمّو أصبحوا بعثيين بعد أن كانوا من أنصار اليساريين الكرد. حاول البعض الاستقواء على جيرانهم وأقربائهم عن طريق الانتساب إلى الشبيبة. وفي عاموده ذكروا لي بأن محمد علي گارسو, ابن صوفي گارسو البيرتي, انتسب إلى الشبيبة (بعد أن أصبح من أنصار الحكومة, أصبح اسمه محمد علي عگيدو), وأصبح يخال له بأنه أصبح من أصحاب السلطة. ولكن عندما وقع في خصام خاسر مع قاضي البلدة, عاد و أدرك بأن نشاطاته الشبيبية لم تكن كافية لكي ليصبح سيداَ طليق اليدين. وربما كان أجدى له عمله في غرافة أبيه (على طريق نجارێ). و لربما كان عليه الاقتداء بوجه البيرتاويين وكبيرهم في عاموده ,محمود حاج حسن الذي كان موضع تقدير أغلب العاموديين بمختلف فئاتهم .