٣٠‏/٨‏/٢٠٠٩

أديب حسن محمد: وقائع برنامج خاص عن سليم بركات في الإذاعة السورية. سليم بركات شاعر وروائي سوري أصدر العديد من المجموعات الشعرية وهي:كل داخل سيهتف لأجلي وكل خارج أيضاً،بالشباك ذاتها بالثعالب التي تقود الريح،البازيار،طيش الياقوت،الجهات المواثيق المواثيق الأجران والتصاريف وغيرها وقد صدر له أواخر الثمانينات مجلد تحت عنوان"الديوان "ضم خمساً من مجموعاته الشعرية روائياً صدر له: فقهاء الظلام،أرواح هندسية،الريش،معسكرات الأبد،الفلكيون في ثلاثاء الموت ـ عبور البشروش،الكون،كبد ميلاؤس،أنقاض الأزل الثاني،الأختام والسديم ولسليم بركات كتابان مصنفان في فن السيرة الذاتية هما: الجندب الحديدي .. هاته عالياً هات النفير على آخره سيرة الصبا ترجمت بعض رواياته إلى العديد من اللغات منها الألمانية والإنكليزية والفرنسية لدى بركات خيال سينمائيّ،ونصوصه تشبه ما يرصده المصور معتمداً على عدسته أو كاميرته المتجولة،رواياته سرد متحرك...شيء من الكتابة،وشيء من الصور،وشعره نفسه عبارة عن سينما فلا شيء غير الانفعال ونوايا الأفعال ولا وجود لهواجس الداخل كأن ذاكرته كاميرا محمولة على الكتف وقوله اصطياد اللقطة في الهواء روايات بركات يزحف المتخيل فيها ليكمل سرد الواقع..لا تعتمد الطابع الحواري إلا فيما ندر في الوقت الذي تتضّح فيه طاقة السرد الكبيرة من خلال بنية الحكاية وتبشر بعهد نهوض سيمياء الرواية العربية بوصفها الحقل المعجمي بامتياز أيها الأحبة سنجري اتصالاً مع الدكتور الشاعر أديب حسن محمد لأنه من المهتمين جداً بأدب سليم بركات وقد نشر أكثر من دراسة نقدية عن أدبه ..بعد لحظات شهادة من أديب حسن محمد ... س ـ د.أديب حسن محمد لماذا يعتبر سليم بركات من رواد اللغة العربية شعراً وروايةً؟؟ *بداية يمكننا التحدث في المحورين اللذين تفضلت بعرضهما سليم بركات شاعراً وسليم بركات روائياً من قريته الكردية الصغيرة"موسيسانا" القريبة من مدينة عامودا في الجزيرة السورية وحتى استوكهولم عاصمة السويد رحلة إبداع امتدت لأكثر من ثلاثين سنة أصدر خلالها العديد من المجموعات الشعرية والروايات والمقالات التي لا تتخلى في روحها عن مؤثرات البيئة التي انبثق منها وبقي مخلصاً لها في كل ما كتب. شاعراً..ومنذ مجموعته الأولى"كل داخل سيهتف لأجلي وكل خارج أيضاً" لفت سليم بركات الأنظار إليه فقد اختار أن يكون منذ البداية مختلفاً عن مجايليه وكان له ذلك حيث ما لبث أن احتل مكاناً مميزاً بينهم وانفرد باسلوبه المميز الذي اعتمد فيه الشعر على استقطار اللغة وسبر أغوارها في سبيل الوصول إلى حالة من الصدم والدهشة لقارئ قصائده. قصائد سليم بركات وقفت في المسافة الحساسة بين الغموض الفني والإبهام،هذا اللبس نتج بطبيعة الحال عن الطريقة الجديدة وغير المألوفة في التعامل مع اللغة،فأساس اختلاف تجربة سليم بركات كان تعامله مع اللغة..أو الزاوية التي كان الشاعر يقف فيها ناظراً إلى مفرداته الطالعة من بركان اللغة وهي تسيل على البياض،سليم بركات امتلك إذاً هذه اللغة البركانية التي فجرت أعماق لغته وجعلتها وجهاً لوجه أمام قارئ جديد غير معتاد على هذه الأنساق اللغوية الجديدة،في بداية تجربة سليم بركات حدث نوع من الغربة بينه وبين قارئه طبعاً كان الأمر في بدايته غربة أولية أو حاجز أوليّ وقف بين القارئ وبين قصائد سليم بركات لكن هذه الغربة ما لبثت قصائد سليم بركات على إزاحتها من خلال تمرين القارئ على ديناميتها ونشاطها الداخلي،واستطاعت إقناعه(القارئ)بالمكنونات الجمالية التي تختزنها البنية اللغوية للنصوص الشعرية،فغموض قصيدة بركات لم يكن غموضاً بلا جدوى أو غموض لأجل الغموض. توسّع القاموس الشعري لسليم بركات شاملاً العديد من المفردات بحيث أن قارئ شعره سيجد العديد من المفردات الجديدة عليه والتي نفض عنها الشاعر غبار القواميس وأعاد لها ألقها المفقود عن طريق حسْن توظيفها في قوالب مدهشة جمعت بين حداثة المضمون وقاموسية المفردة المكونة لهذا المضمون. هذا المزيج الساحر بين رصانة المفردات وجموح الخيال يؤهلان قصيدة سليم بركات للصمود والتجدد رغم تعاقب الزمن عليها،هناك أمران مهمان في التجربة الشعرية لبركات لابد من استعراضهما: الأمر الأول هو حفظ مكونات بيئة الجزيرة السورية في شعره..الشجر..الحيوانات..النباتات ..الخ أرشف لهم بمهارة باحث بيئيّ وبحصافة لغوي وببراعة شاعر في آن واحد،فصار شعره وثيقة مكانية لحقبة مهمة من نشوء منطقة الجزيرة وتحولها من الطابع الريفي إلى الطابع العمراني المدني. الأمر الثاني هو تقنية التقطيع السينمائي التي تميز تجربة سليم بركات الشعرية وتجعل القصيدة أقرب إلى اللوحة أو إلى المشهد البصري،حيث يكتب الشاعر بعدسة مخرج سينمائي مطل على مشهده الشعري،ومحرّك لعناصره. س ـ أستاذ أديب ..أتساءل إذا أردنا أن نستخلص مجموعة من السمات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً برواية سليم بركات..يعني ما هي المميزات أو السمات النقدية التي يمكن أن نتحدث عنها؟؟ ج ـ لا تختلف روايات سليم بركات في سياق تجربته الإبداعية عن شعره،وكما أسلفت سابقاً فإن إبداع سليم بركات يتركز في اللغة،واللغة في الرواية مركزية أكثر من الشعر كون توظيف الخيال في الرواية أكثر منه في الشاعر،ويكاد يكون متفرداً وفذاً بحق منذ بواكيره الأولى في السيرتين:سيرة الطفولة وسيرة الصبا وحتى الرواية الأخيرة:الأختام والسديم لدى سليم بركات سداسية الأمكنة:عامودا،قامشلي،دمشق،بيروت،نيقوسيا،وأخيراً استوكهولم هذه السداسية المكانية بصمت في رواياته بعمق،لم تنفصل هذه الروايات عن بيئة الجزيرة السورية رغم اشتغالات المكان فأحد مميزات رواياته أنها غالباً ما تنطلق من الجزيرة السورية،قد تخرج إلى أمكنة أخرى ولكنها تعود إلى نقطة انبثاقها،رغم أن هذه الانتقالات المكانية ضرورية لحبكة بعض الروايات مثل الروايات التي كتبها في قبرص, تعامل سليم بركات في رواياته مع البيئة بأسلوب ساحر مستثمراً الميثولوجيا الغنية للجزيرة،والتاريخ الحضاري العريق للشعوب المتعاقبة عليها،وقد استطاع تحويل هذه المعطيات إلى عناصر إشراق في سياق بنية النص الروائي،فالذي يقرأ روايات سليم بركات يدهشه نبش الكاتب لشخصيات مهمشة ولتفاصيل منسية في تاريخ المنطقة،وببراعة منقطعة النظير استطاع بناء نسق روائي قادر على التمدد خارج قاموس السرد المباشر. أما الخيال فدوره مركزي في توهج الحدث الروائي،ورغم جموح خيال الكاتب فإنه يبقى خيالاً خادماً لبناء الرواية،فلا يشعر القارئ أنه أمام خيال نافر ومجاني بقدر ما يحس أنه خيال مرتبط في مستوياته المختلفة بخيط غامض إلى مركز الرواية وبؤرتها الجاذبة،هنا بالضبط تكمن عبقرية سليم بركات الروائية:إحالة الخرافة والخيال إلى عناصر محايثة للواقع الملموس من خلال عملية التبادل الديناميكية بينهما(الخيال والواقع) وببراعة يحسد عليها. س ـ د.أديب ...أتساءل سؤالاً ولا أدري إن كان مشروعاً أفهم من كلامك أن سليم بركات يشتغل على أعصاب اللغة واللغة هي الأداة الأولى في تصنيع العمل الروائي..هل هذه اللغة تستطيع أن تبني تقاطعات حادة مع المتلقي..بغض النظر عن سوية هذا المتلقي؟؟ ج ـ تحدثت قبل قليل عن موضوع التلقي،وكلامك عن اللغة دقيق جداً،فسر الإبداع الشعري والروائي لدى سليم بركات هي اللغة،ولا شك أن هذه اللغة تخلق في البداية نوع من الغربة مع القارئ،ولكن فيما بعد استطاع الكاتب بمهارته وإبداعه إقناع القارئ بمبررات اشتغاله على هذا النمط اللغوي الذي يمر بثلاثة مراحل:اللغة الغريبة في البداية،ثم المتمنّعة القابلة لأكثر من قراءة،ثم اللغة الماتعة التي تجعل من القارئ منفعلاً ومتذوقاً لرحيق اللغة..فقارئ الرواية من المرة الأولى يشعر أن تناول جرعة لغوية ثقيلة يصعب عليه هضمها،وعندما يقرأ القراءة الثانية يبدأ باكتشاف مكامن جمالية لم يستطع اكتشافها من القراءة الأولى...فالمراحل الثلاثة لقراءة روايات سليم بركات هي: ـ القراءة التغريبية ـ القراءة المتمنعة ـ القراءة الإمتاعية الجمالية وهذا ناجم عن التمدد الحاصل في الرواية نتيجة الثقل اللغوي فيها وهو ثقل إبداعي لا يدل على عبث بقدر ما يدل على مخيلة فذة تستطيع تطويع اللغة في أحلك مستويات التعبير في برنامج "واحد من آخرين" إذاعة صوت الشعب دمشق 4/4/2004من إعداد المذيع سامر فهد رضوان:
 الحوار المتمدن