٣٠‏/٦‏/٢٠٠٩

  مشوار في بلدنا.. عامودا
محمود عبدو عبدو
عامودا مدينة المليون شاعر والمليون مجنون والمليون مطلب؟!
«لأنَّ عامودا أم المتناقضات، فإنَّ أفراحها حزينة , البقاء فيها يزيد أهلها حقداً عليها, والابتعاد عنها يقتلهم شوقاً».. هكذا وصف عامودا الروائيُّ هيثم حسين، في روايته «آرام».
مشوار اليوم في عامودا يبدأ من تراكم المشكلات وتزاحم المطالب الخدمية الكثيرة.. وكلما تمَّ التعمُّق أكثر في أزقتها الملتوية الضيقة وحاراتها، نصل إلى واقع حياتي
ومعيشي وخدمي سيئ ابتعدت عنه المعالجة، وضاعت سبل الحل في أدراج المسؤولين، فبقي المواطن يترقُّب مَن يخلِّصه من كل ذلك.
مشكلاتٌ جمّة يعاني منها أبناء عامودا, تبدأ بالخدمات الأساسية, من تعبيد الطرق والكهرباء والماء، إضافة إلى مداخل ومخارج المدينة, ولا تنتهي عند شوارعها الضيقة وطرقها الترابية، وحتى طرقها الرئيسية (طريقا الدرباسية والبلدية) غير المناسبة لأن تكون شوارع رئيسية تصل بين مدن القامشلي والدرباسية ورأس العين والحسكة.. يضاف إلى ذلك كله، قلة عدد المدارس، وطاقتها الاستيعابية مقارنة بعدد طلابها، لتتحوَّل الحصص المدرسية إلى ما يشبه المكدوس؛ حيث إنَّ أعداد الطلبة تفوق 45 طالباً في الشعبة الواحدة، وأحياناً 55 طالباً، عدا عن سوء توزيع المدارس وفق الحاجة، والتركُّز السكاني؛ فوفق المخطط التنظيمي والجغرافي للمدينة (عدد المدارس 13 مدرسة إضافة إلى مدرسة مهنية) نجد أنَّ أبناء الأحياء الشمالية والجنوبية يفتقرون إلى وجود مدرسة؛ ما يضطرُّ أولادهم لقطع مسافات 2-3 كم للوصول إلى مدارسهم, وعدم وصول الإسفلت إلى عدد من هذه المدارس، كمدرسة نظام الدين داوود، ومدرسة سليم السيد؛ فالشوارع طينية وترابية إضافة إلى عدم رصف محيط المدارس وتشجيرها..
أما بالنسبة إلى موضوع تجميع القمامة وترحيلها، نلحظ أنَّ هناك حارات تبقى ثلاثة أيام من دون أن يتمَّ ترحيل القمامة منها.. وهناك عدة مشكلات تعاني منها هذه المنطقة تتمثَّل في: عدم وجود كراج خاص بالمركبات والسرافيس للمدينة، وقلة الحاويات وتوزُّعها الخاطئ، ورداءة الخبز ونقص وزنه، والواقع الاقتصادي.. إضافة إلى الجفاف الذي أثّر بصورة جلّية على البلدة، ما أدَّى إلى هجرة السكان إلى المناطق الدّاخلية والبطالة القاتلة والمقنَّعة.. هذا عدا عن افتقار المدينة إلى مشاريع حيوية تغطِّي الخسائر الزراعية الأخيرة.. وقد وصل الأمر إلى أنَّ علائم الهجرة قد بدأت تظهر وقد تجسَّد ذلك في تناقص عدد طلبة المدارس لارتباطهم بعائلاتهم التي استقرَّت نتيجة الحاجة وقلة الموارد في دمشق وحلب وغيرها.
نهر عامودا الرّئيسي.. واقع مر
نهر عامودا، أو نهر وادي الخنازير، الذي يخترق المدينة من شمالها وحتى الجنوب بطول 2,5 كم تقريباً ضمن المدينة قادماً من تركيا، وبعد تحويل مياهه وقطعه، نتيجة السدود السطحية المقامة عليه في تركيا؛ تحوَّل إلى مجرى سيلي في الشتاء، ومكبَّاً للقمامة في بقية الأيام، ما أدَّى إلى تحوُّله فعلا إلى مكان طبيعي لتجمُّع الكلاب وتكاثر الذباب والبعوض والحشرات.. ورغم تسقيف جزء منه بـ «البيتون» لمسافة 500 م تقريباً في مركز المدينة، إلا أنَّ ذلك لم يعد من الحلول المجدية، وذلك لتحوُّل مجراه إلى مكان تجميعي للقمامة والحيوانات، وصعوبة تنظيفه وترحيل القمامة من قلبه.. ورغم محاولة البلدية الاستفادة من سقفه كسوق للهال، لكن المشكلة تكمن في بقائه مكاناً للقمامة وروث الحيوانات، وعدم تسويره ووضع موانع وحواجز تقيه عبث المسيئين وصرف مجاري الصّرف الصّحي فيه خارج المدينة (جهة الجنوب) ما يضيف مشكلات بيئية ورائحة كريهة لعدد من القرى كقرية تل كيف وقرية مرة وقرية قرا وغيرها.. إضافة إلى سقاية بعض ضعاف النفوس مزروعاتهم من مائه (قمح وذرة، وسابقاً خضروات) وتحوِّله إلى مستنقع شتاء ما يسبِّب العديد من الأمراض والرائحة الكريهة وحاجته الدورية إلى الرش والتنظيف والمتابعة.
طرق ترابية وحزام على الخريطة
حالة الشبكة الطرقية في مدينة عامودا سيئة جداً, وتظهر ملامح سوئها من خلال وجود حارات وأزقة وشوارع ترابية أو مغطاة بالبقايا والحصى، من دون أن يصل إليها ما يسمَّى «الطرق المعبَّدة».. وما هو معبَّد منها أصبح قديماً وكثير المطبات والحفر والجور.. والحفريات التي تتمُّ بين الفينة والأخرى لا يتمُّ يعدها إعادة الطرقات إلى سابق عهدها، كما حصل مع تبديل الشّبكة المائية مؤخراً؛ فعملية إعادة التعبيد كانت رديئة وغير متناسبة، ارتفاعاً وسماكة، لتتحوَّل إلى حفر ومطبات جديدة، وبالأخص مخرج المدينة جهة الدرباسية؛ إذ تمَّ تجهير طريق الذهاب فقط، حيث بقي طريق الإياب من دون إصلاح، ما سبَّب انتشار الغبار والأتربة في المدينة والخطورة الواضحة على حركة السير بالاتجاه نفسه.
ورغم الأهمية الحيوية لمدينة عامودا؛ كونها صلة الوصل بين عدة مدن, نجد أنَّ واقع الطريق الرئيسي سيئ ويسبِّب مشكلات مرورية كثيرة, إضافة إلى وجود العديد من الشوارع الضيقة رغم شمولها ضمن المخطط، وعدم فتح شوارع نظامية؛ فقلما نجد في المناطق المعبَّدة أرصفة، أو أنها موجودة لكنها سيئة التنفيذ..
أما بالنسبة إلى قضية الحزام المحيط بالمدينة (الشمالي والجنوبي)، فقد بقي على الخريطة، مع العلم أنه تمَّ تنفيذ الحزام الجنوبي بنسبة لا تتجاوز 5%، لكن الشمالي لم ينفَّذ بعد ويزيد طوله على 5 كم .
أبيض أسود
تحسُّنُ الخدمات في الشهور القليلة الماضية مع الدورة الجديدة للمجلس، وتَطلُّعُ المواطنين بعين الأمل إلى مجلسهم، وبالأخص بعد تجديد طريق ومدخل المدينة جهة الحسكة، وتأهيل أكثر من دوار, وإقامة صالة رياضية مغلقة، وإعادة تأهيل المركز الثقافي ليتوافق مع الإرث الثقافي الكبير الذي تتمتَّع به المدينة وتشتهر به.
نتيجة غياب حلٍّ لقضية استكمال مجرى النهر، تحوَّل إلى مكان قذر مليء بـ»البق» والبعوض، وأصبح مكبَّاً لبعض البيوت المحيطة التي جعلت المعضلة أكثر تضخُّماً، وجعلت المنطقة تعجُّ بالروائح الكريهة والأوساخ المسبِّبة للأمراض والأوبئة.
كلام الناس ..
المحامي والأديب حسن دريعي، أشار في ما يتعلَّق بواقع عامودا، إلى تزايد نسب الهجرة وضرورة تأمين فرص عمل، كما أنَّ المدينة بحاجة إلى عناية حقيقية للارتقاء بمستوى الخدمات.. وأشار مواطن آخر، إلى ضرورة تفعيل وتوفير فرص العمل..
وأضاف المدرِّس محمود: «نلاحظ في عامودا تحسُّناً ملحوظاً مقارنة بالفترة السابقة، وهي عموماً فوق المتوسط، لكنها بحاجة إلى متابعة وتحسين الواقع الخدمي»..
وذهب عددٌ من المواطنين إلى ضرورة تجديد وتحديث الحدائق الأربع الموجودة في عامودا، وضرورة وضعها في الخدمة العامة؛ حيث لا يتمُّ استثمارها إلا جزئياً.. وآخرون أشاروا إلى ضرورة تأمين سور للمقبرة الموجودة، وتوفير مصدر ماء فيها، وإبعاد مقرّ رمي القمامة عنها.. إضافة إلى الاهتمام بموقع تل «شرمولا» بوصفه موقعاً أثرياً يتوسَّط المدينة ومرتبطاً بذاكرة المدينة، وضرورة تجميله وتسويره والمقبرة القريبة منه.
فيما بيَّن البعض ضرورة الاهتمام بالمركزين الصحيين، وأشاروا إلى حاجة عامودا إلى مركز إسعافي مفتوح على مدار الأسبوع، وليس ضمن فترة صباحية فقط، مبيِّنين عدم توافر الخدمة فيه يومي السبت والجمعة.. مشيرين أيضاً إلى ضرورة إصلاح أجهزة التصوير فيه، وتوفير المواد المخبرية والأدوية والأجهزة اللازمة له..
وأشار آخرون إلى أنه رغم عدم وجود أزمة خبز في عامودا (فهناك  10 أفران حجرية وواحد آلي وآخر نصف آلي)، إلا أنهم أشاروا إلى نوعية الخبر المُقدَّم، وخاصة من الفرن الآلي.. كما بيَّن المواطن صالح، أنَّ عدد الحاويات قليلة.
رئيس بلدية عامودا: ينقص الاعتماد المالي..
خلال مشوارنا، زارت «بلدنا» المهندس كاميران سيد علو، رئيس مجلس مدينة عامودا, لنستوضح منه رأي مجلس المدينة حول ما تعانيه المدينة من مشكلات ونواقص خدمية، والظروف والمشاريع الخدمية المزمع إقامتها لتحسين تلك الظروف، حيث قال: «نقوم في الدورة الحالية للمجلس بالعديد من المشاريع الخدمية المهمة.. وفي ما يخصُّ نهر عامودا وقضية استكمال مشروع تغطية النهر بالكامل قرابة 2,5 كم، قمنا بالكشف التقديري الذي يحتاج تقريباً إلى 8 ملايين ليرة، ووجدنا أنَّ هذه السيولة غير متوافرة في المجلس، ولذلك  نقوم بتنظيف مجرى النهر دورياً، ولكننا لا نجد الكثير من التعاون من قبل الناس، حيث إنَّ «اليد الواحدة لا تصفق» وعلى المواطنين التعاون من خلال عدم التعدِّي على النهر برمي القمامة وحرق القمامة فيه».. وتابع رئيس البلدية: «نُخدم المدينة بثلاثة تراكتورات مجهَّزة بتريلات، وثلاث سيارات ضاغطة تعمل بصورة متواصلة، ما عدا السبت والجمعة.. والمجلس بحاجة إلى اعتمادات مالية أقلّها 100 مليون ليرة لتحسين مداخل المدينة وواقع المدينة وشوارعها.. كما أنَّ المجرور الصحي مُخدم بشكل كامل، وتمَّ تنفيذ المرحلة الأولى من قبل وزارة الإسكان والمرافق بطول 13 كم ضمن المدينة، وبأقطار مختلفة القياس وقياسات كبيرة، والمرحلة الثانية قيد الدراسة.. كما لدينا دراسة لإنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحي لدى فرع الدراسات في حمص للاستفادة من المياه في الزراعة بعد التصفية، بحيث تسقى بها الذرة والقطن.. أما الخضار، فهي ممنوعة.. ونحن نتابع هذا الموضوع بالكثير من الجدة والمراقبة»..
وعند سؤاله عن حزام المدينة، بيّن رئيس المجلس: «لا يوجد حزام إلا على الورق، ويحتاج تنفيذه إلى اعتمادات مالية كبيرة، كونه على جزأين (شمالي وجنوبي) إضافة إلى تعويض المتضرِّرين الذين سيمرُّ الحزام في أرضهم، كونها أملاك خاصة».. وفي سؤال عن طرقات المدينة، قال المهندس كاميران: «أضفنا عملية تعبيد الطريق الرئيسي إلى موازنتنا الجديدة، وسنباشر في 1/7/2009 بتعبيد الشارع العام بقيمة تقديرية 8,900 مليون ليرة، ووزَّعنا المبيد الحشري على المواطنين، ونقوم بالرش الضبابي مرتين في الأسبوع، وهذا مرتبط بما نحصل عليه من كميات من المبيدات الحشرية.. وحول مكبِّ القمامة، لدينا مكب مشترك بيننا وبين مدينة الدرباسية، ونُرحِّل يومياً 25- 30 طناً من قمامة المدينة قرب قرية الخشيفية، ولدينا 60 حاوية موزَّعة على أنحاء المدينة، ولدينا مشروع المدينة الصناعية قيد الإنشاء بمساحة 225 دونماً، وبتكلفة 30 مليوناً كإعانة».. وأنهى رئيس المجلس كلامه لـ»بلدنا» قائلا: «إنَّ المجلس ووفقاً لإمكاناته المتواضعة، يقدِّم خدمات جيدة، ونأمل من الجهات المعنية المزيد من الإعانات والسيولة المادية، وخاصة قضية بدلات الاستملاك».
رسالة
بعد أن شارف مشوارنا على نهايته، هذه بطاقة إلى المعنيين للوصول إلى حلّ مناسب وعملي يعالج المشكلات الخدمية في مدينة عامودا، ويوليها الاهتمام اللازم وتوفير الاعتمادات المناسبة لاستكمال المشاريع والحدِّ من هجرة أبنائها وتأمين فرص عمل, لتبقى المدينة المتيقظة «لتحمي جنوننا حتى التعقل» فمدينة المليون شاعر كما قال عنها لقمان ديركي، بحاجة إلى مدِّ يد العون والاهتمام.
الجدير بالذكر أنَّ عامودا ناحية تتبع لمنطقة القامشلي في الجزيرة السورية، ، والمخطط التنظيمي للمدينة 680 هكتاراً.. ترتفع عمودا على سطح البحر 490 م تقريباً, وعدد قراها 150 قرية تقريباً.. عامودا التي تبعد عن القامشلي مسافة 30 كم وتتبعها إدارياً، هي ناحية تتبع منطقة القامشلي، وتبعد عن مدينة الدرباسية 25 كم، وعن مدينة الحسكة 80 كم.