٢٤‏/٦‏/٢٠٠٩

(الضباب بحذافيره) تماماً أنا الشاعر
باسم سليمان
تكاد تكون الميزة الثابتة للشعر في تمرده على ذاته ونكرانها قبل وبعد صياح الديك , فهو لا يرتجي إلهاً ولا متألهاً وإن جاز التعبير , كحصان امرئ القيس لا باطنا تشدّ الرحال إليه بالذوق ولا ظاهرا تقننه بالعقل بل +مكر , مفر , مقبل , مدبر؛.
هذا اللا تعيين وهذه البوصلة التي تتشيطن على نجم الشمال هو ما يسمح للشعر أن يوحّد الضمائر, ويرتق السماء والأرض من جديد ويعيد الأبعاد الأربعة إلى نقطة وهمية تستطيع أن ترسم آلاف الموازيات لمستقيمها, فكيف يكون الضباب - هذا اللا متعين الذي يدخل الأشياء في ميوعة الحلم المنبثق من الواقع كالأشباح في بدء الخلق- متعينا بتخلق؟!, ما لم يكن الشعر هو صلصاله وروحه بالوقت نفسه. ‏
فنفي النفي إيجاب, فاللا تعيين تستطيع معرفة حذافيره بلا تعين آخر؛ لذلك جاءت قصيدة إبراهيم حسو خالية من العتبات إلا إذا اعتبرنا بياض الصفحة الذي يحيط بالحبر الأسود هو عتبة العماء لفتح عين البصيرة لتلمس الأشياء في بكارتها الأولى سواء من أنا الشاعر أو الأنثى أو الحياة أو القصيدة, وانعدام العتبات يطلق الحرية للقارئ في توجيه دفة النص كما تشتهي أنفاسه فيفاجئ الكون بضبابه الخاص فيمحي أشياء ويثبت أخرى أو يعكس ما ألفه وينكره فيتخلص من عبودية المعرفة إلى حرية جهل المستكشف , فيصبح الشاعر والقارئ حالا واحدة , فاللا تعيين يضمخ الكائنات بعطر المساواة, فلا تمايز بينها إلا بقدرتها على مجاراة ضباب الحرية. ‏
يبتدئ حسو سرديته الشعرية بجملة تأسيسية +على حافة الشعر؛ لحظة ما قبل السقوط أو القفز إلى نجاة مجهولة التفاصيل وتتحول هذه الحافة إلى حافة الورقة التي تستعجل القفز من فوقها لحافة ورقة أخرى فيقول محمد عضيمة في تقديمه +للضباب بحذافيره؛: أقرأ بسرعة, لأن النصوص تتلاحق بسرعة,أنهي النص بدهشة وأريد لهذه الدهشة أن تتلاحق, فأسرع إلى قلب الصفحة, أريد أن أعرف أكثر, كيف سيقول شيئا آخر وبأي شكل سيدهشني هذه المرة.‏
يقول حسو:( أنت مثلا/ عجوز شاعرية/ بحاجة إلى حنان متقن/ وكرسي متنقل/ تنتقلين من قصيدة إلى أخرى ) هذه العجوز, عجوز الذائقة التي تتزين بذهب أعذب الشعر أكذبه أصبحت تحتاج لمن يدفعها في كرسيها المدولب لتتخلص من سراب المسافة بين المشبه والمشبه به وهذا السراب الذي نما من الغربة والتقية بتعاطينا مع الحياة , جعل الضباب متعينا تعين الحدود لا تعين الأفق لذلك يلعب دور الحجاب الذي يسدله مسرور اللغة , فتبتعد اللغة وتهجر خضرتها للتحول لرماد حبر في القواميس , في حين هذا الضباب كما هو جوهره أكثر من أفق الأفق, فهو الرحم الذي تتبدى منه الأشياء إذ قيل بحذافيره والضباب هنا اسم لكل مسمى , فالحب رائع بحذافيره والكره متقن بحذافيره والحياة صيرورة بحذافيرها والموت بداية بحذافيره. ‏
وعودة إلى عنوان المقال ليصبح الديوان بحذافيره لدى القارئ, عليه أن يأتيه بحذافيره كاملا يستحضر شيطان التفاصيل الذي يغويه لمد يديه لتحرقه نار الحياة وإن لم تكن برداً وسلاماً. ‏
يقول خليل صويلح: إنني أسأل العالم/ بعناد حمار يرفض أن يعبر مستنقعاً/ لماذا لا يكون للموت عطلة/ يوم واحد في السنة على الأقل. ‏
+الضباب بحذافيره؛ لإبراهيم حسو ليس قادراً على إصدار قانون بعطلة كهذه لكنه بالتأكيد قادر على سرقة ثواني ثمينة جداً من وجه ساعة الموت : لا تسأل أحداً / أنت السؤال المحير/ لا تحب أحداً/ أنت الحبّ الصغير الملون والملعون/لا تكره أحداً لا تعرفه / وثق بالموت الذي تصادفه/ ومتن صداقتك معه. ‏
صادر عن دار الزمان لعام 9002 دمشق ونصوصه صالحة لغاية 5102 ‏
mailto:Bassem-sso@windowslive.com‏
دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 23 حزيران 2009