٢٨‏/٦‏/٢٠٠٩

 



لقاء مع الشاعر عبدالرحمن عفيف

أنا لستُ أنا
أنا العالم
أجرى الحوار: برزان يوسف
3.10.2002
في زحمة الايام و تراكم الا وراق كنت على موعد مع ا لشاعر الذي صار يحتل مكانة با رزة على ساحة الشعر بين الشعراء السو ريين . ففي ليلة شاعرية فتحت اللغةُ كلماتها بينما كانت الشمعة تحترق رويدا رويدا فكان هذا اللقاء.
√باسم مجلة Pênûs نرحب بك ، هل لك أن تعرّف نفسك لقراء المجلة؟
في الحقيقة أحاول تعريفي عن طريق كتابة الشعر ولكن ربما سيكون صعبا في احيان كثيرة لقارئ قصائدي أن يكوّن فكرة بالتحديد العقلي والرياضي عني، حيث الشعر يتكلم لغته الرمزية التي تقابل العديدَ من التأويلات و لكن استطيع الآن بشكل مبسط ربما أنْ اقول أ ني ولدت في عامودا عام 1971، و ثم بعد ئذ، بعد البكالوريا درست الأدب العربي في جامعة حلب بالاضافة إلى ذلك فقد تعلمتُ تذوق الحياة و الشعر في حجرة أبي الشيخ عفيف الحسيني فهو الذي أنار الطريق وثم كان عليّ المتابعة أو على الأصح التذوق والتلذذ بالسير في هذه الحديقة الشعرية و كما تعلم الآن بعد سنوات لا زالت الرحلة مستمرة و كما يقال "الرحلة هي المبتغى و الهدف".
√ شخصيا أعتبر عائلة الحسيني مدرسة، ماذا تعلمت في هذه المدرسة في خطواتك الأولى على هذا الدرب الكلمة (الشعر)؟
انك لديك منتهى الحقيقة في تصنيفك لهذه العائلة، كعائلة شعرية ودائما عند اغلبية الكتاب و المبدعين، حسب رأيي فالبداية هي النار الا ساسية التي يسرقها الشاعرُ من الآلهة و تظل معه كي تحرقَ حنجرته و عندئذ يبدأ بالصياح الذي هو بحدّ ذاته قصيدةٌ حقيقية و كما قلت في الجواب الأول فإن التعلم خاصة في حجرة الشيخ عفيف كان هو النار التي لا زالت تحرق و تضيء في نفس الوقت ظلال القلب. ابن الفارض، محي الدين ابن عربي و ملايى جزيري، إنهم هم الذين أراد لي ابي أن يكونوا أصدقائي و أصدقاء القصائد التي لا زلتُ أكتبها و أنا بعيدٌ عن المنبع و لكنّ النار هي نفسها، هي مدرسة كما قلت ولكن كل مدرسة ينبغي تجاوزها و تأسيس فردانية مختلفة، إن لم نقل مدرسة مختلفة و الإ فإن التكرار سيصيبنا بالعقم. أحاول إذا أنْ أتجاوز هذه المدرسة، أن انسى هذه المدرسة وأخلق عالم الحرية الذي يبدّدُ المدارس.
√ لماذا هذا التوجه الكثير في الآونة الآخيرة الى كتابة الشعر الحديث و أنت بالضبط إلى الجملة القصيرة ؟
حين كتبت قصيدتي الأولى فإنني لم أفكر هل هي شعر حديث أم شعر تقليدي، كانت أعياد تلك القصيدة بأطفالها و سكاكرها، بشموعها ترسّخ نفسها على الورق دون التفكر بالصيغة التي ستكون عليها أو الصيغة التي بموجبها ستفتح فمها و تغني تحت جنون من حب لم يكن بمستطاعه أنْ يقول نفسه أو بالاصح أنْ يمارس نفسه كما يحدثُ للحبّ في أوربا، لحسن الحظ و لحسن حظ الشاعر نفسه فإنهُ تم تحمل و تكريس هذا العشق الذي يؤسسه الحلم في شغف المراهقة. أين ستكون المفاهيم من ذلك؟ أين سيكون النقاد؟ أين سيكون الجواهري أو جكر خوين من ذلك!؟ إنها إذا خطوات ذلك الصديق الجميل آرثور رامبو و عربدته في كامل أوربا و الشرق الاوسط، إنها تجارة الأسلحة و التعامل بالعاج. إنها الجملة التي كطعنة خنجر كما يقول محمد الماغوط، ذلك الرامبو العربي الذي يخون دائما.
√ في العقدين الآخرين من هذا القرن ارتبط الشعر ـ الادب ـ بالسياسة كثيرا هل تشاركني الرأي؟ وماذا تقول بهذا الصدد؟
من وجهة نظري أن القصيدة التي تُكتب عن الوردة هي قصيدة سياسية، إنها تدعو إلى إهدائها إلى فتاة ذات نهدين جميلين، أليس هذا سياسة؟ أي لإكتساب هذا الإنسان، لإثارة حبه لك، أليس ثورة بحد ذاتها أن تكتب قصيدة - ينبغي أن تكون بمداليلها و رموزها و تويجاتها المئوية - عن الوردة . هذا ما أفهمه من السياسة غير ذلك حاولت بإستمرار ان أجد لي قصيدة سياسية تستمر في حياتي و لكني أصبت بخيبة أمل لم أجد قصيدة من هذا النوع و شاعرا يفهم شيئا من السياسة. إنه شيء آخر أن تكافح لرفع الإضطهاد و الحرمان عن كاهل شعب كالشعب الكردي، إنه يحتاج إلى ...؟ ماذا علي أن أقول
√ هل سيجرك يوما هذا الفيضان بالكتابة بالكردية إلى الكتابة باللغة الكردية ؟
ما جرني و قبلني علئ شفتي و احتضنني أن أكتب بالكردية هي أنها أجمل لغة في العالم. بالنسبة إلي هي أجمل (غريق في العالم) هل سأنقذ هذا الغريق عن طريق الكتابة باللغة الكردية أنا هي اللغة الكردية، هي التي ستنقذ غرقي في اللغة العربية. بهذين الجناحين سينطلق القلب، بهذين الجناحين ستطير العينان و تلك الرسوم ببدائيتها بعفويتها، بمراهقة راسمها ستأخذ أهم الصفحات و تعبر عن أفضل القصائد في كتاب ما. لستُ - بعد أن ترجمتُ عدة قصائدي بنفسي إلئ الكردية - لستُ عدوا للعربية، أنا لا أعادي أي إنسان، اللغة هي أيضا كائنٌ بشري.
أفكر جديا و كتبت أيضا بلغتي الأم، الكردية، إنها تنقذني من فيض ضياعي ، شكرا للغة الكردية شكرا ل ((Destana Memê Alan، شكرا ل (Rojek ji rojên Evdalê zeynikê) لمحمد أوزون.
√ متى يشرق ديوانك الجديد على القراء و كيف لوّنت كلماته و أزاهيره؟ُ
كتبت منذ فترة لا بأس بها الكثير من النصوص الأدبية ، فيها يختلط الماضي بالمستقبل و الحاضر يصير تلك الوردة التي تشرق أمامنا حاولت في هذه النصوص أن أدمر أو ألغي الدروب السابقة في كتابة الادب، تهتُ في تلك المسالك، رفعتُ رأسي عاليا إلى الأشجار، شعرتُ بالغربة الكثيفة التي أعاني منها، شعرتُ أن الصمت في أحيان كثيرة هو الأكثر قدرة على التعبير لذلك فإنه يختلط الصمتُ بالسريالية في تلك النصوص المذكورة، في تلك الحدائق الغائبة بأوراق شفاهها، بأيدي جلساته، بمواعيدها. أدخلُ الذكريات، عليَّ جاكيتٌ مقطّعٌ، في يدي عصا الماضي، مخمورا قليلا، أفتّشُ عن بيوت الاصدقاء، ليس لدي أية خطة، ليس لدي أية خارطة، سيكون جميلا جدا النوم إلى جانب هذه النصوص. أحتاجُ إلئ قارئ مجنون ليدخل هذه الفوضى، ليلبسَ هذه النباتات، ليتجولَ في أخته الغابة. إنني سعيد بإهداء كلّ هذه الاحلام للذين ربما يملكون الأحلام ولكنهم لا يقدّرونها حقّ قدرها، أريد أن أقول أننا أغنياء جدا.
√ الشمعة أوشكت علئ النهاية و سؤالي لمن يشتاق الشاعر عبدالرحمن في لحظات الوحدة؟
أنا لا أوشك علئ النهاية وأنت تماما مثلي، نستمر في الاشياء على الرغم أنها في معظم الأحيان خجولة صامتة تنظر إلينا تفكّرُ فينا، كل شيء يفكر فينا و نحن بالرغم من ذلك نشعر بالوحدة و لسنا وحيدين على الإطلاق. الحديقة تفكّر فيّ حين أمُّر فيها، البيوت تشعرُ بفقدانها لنا، تقول: أين هم شراييني و كذلك الضوء بمعرفة باطنية ينير بتلذذ و يجعلنا نتلذذ. إنها المعادلة البشرية الأكثُر صدقا و التي تدفعنا إلئ العطاء دائما و ربما هذا ما يفسّر استمراري ايضا، في اكبر لحظات الوحدة، في الكتابة. إنني ارى انّ العطاء هو من أكبر و أثمن الدوافع للعيش عند البشر. في داخلي تعيش كيانات البشر في كلّ أنحاء العالم، انا لستُ أنا، أنا العالم!
√ هل تواجهك صعوبات في النشر ؟
في البدايات، أي بدايات كتابة الشعر كانت هناك صعوبات بالغة في النشر، فالشوفينية كمقياس لنشر الادب كانت قاسية علينا نحن الذين أُصبنا بعشق و هوى الكلمة، أهملنا حبيباتنا المسكينات لم نشتر لهن أية خواتم، لم نفاتحهن بحبنا، جئنا إلئ البيت، غرقنا في التعرق و بكل جهودنا كتبناأنفسنا، كتبنا قصيدة ما. هذا كان في البديات ، الآن لم نعد نملك حبيبات -كل النساء حبيباتنا -نملك الكثير من القصائد، ربما اردنا ذلك ايضا برغبة واقعية جدا أقصد كشاعر . ما يفعله الشاعر لا يفعله أي مجنون لكنه هو المجنون الحق، الحياة الحقة. لا تواجهني أيةُ صعوبات في النشر . هل ينبغي أن اشكر الانترنيت ايضا ،أفتقد و الحقُّ ُيقال ملامسة الورق الإيروتيكية، صداقة الورق الإيروتيكية.
√ كيف رأيت مجلة Pênûs بحلتها الجديدة؟
إنه جهد جميل الاستمرار في احراق الروح، إنها الحياة في محاولة الحياة باستمرار. الكثير من الجرائد و المجلات الكردية توقفت عن الإصدار هذا يؤلم . مجلة بنوس باستمرارها، باحتراقها لنا موضعُ احترام، في الصداقة الحقيقية هناك جزء من النقد، ما أريد قوله هو أنّ مجلة بنوس تحتاج إلى حركة أكبر، إلى أن تعقد صداقات أكبر مع الكتاب و الشعراء، فهم يبحثون عن هذه الصداقة. نحن كبشر مرتبطون ببعضنا و يحتاج أحدنا الآخر. إذا المزيد من الترابط، من التواضع، المزيد من القُرب لمجلة Pênûs مع الشعراء و الكتاب.
√كلمةٌ آخيرة أتركها لك وشكرا.
إنني سعيد حين ألتقي بأحد ما كنت قد التقيتهُ سابقا او لم ألتقِ به على الإطلاق، هنا في السكك التي تذكّرنا بأمهاتنا، هكذا حيث تستطيعُ القصائدُ أن تكشف عن الحب الذي يجمعنا، نذهبُ في طريق ما، نساهم في أمسية شعرية، نجلس إلى بعضنا، ندخنُ سيجارة ما، نقرب كراسينا من بعضها لنقص شيئا عن آخر القصائد. من سيؤبد هذا الوجود إن لم نكن نحن ؟ من سيعطي معنىً لكل هذا الجذب، لكلّ هذه الباطنية سوانا . هذه هي اجمل المهمات التي تسرنا، هذه هي اجمل الحيوات التي ينبغي عيشها بكلّ لذائذ تفاصيلها.
القهوة من الأمسيات السابقة
ذاك الصباح الذي يجلس الى ضوئه، و يفكر فيك يا حبيبتي الطاهرة، مثل قبة المسجد.
الكنيسة الباقية من جيوش الرومان، تضيء في الليل الممتلىء برائحة خناجر البدو، و المسيح و أنا أفكر في معصميك الفضيتين، وحيداً على تدرجات الليل، الذي يسترسل في مدّ شعره على الأصوات و القبسات المنطفئة من الحنين و البيوت.
تضيئينني بجسدك، و أضيئك بجسدي، ثم ننحني في صلاة قوية، تلتهمنا.
حين الآن تجلسين في الجانب الآخر من الطاولة، و بيننا الدفاتر و المزهريات و الخيطان و الشعراء، و فناجين القهوة من الأمسيات السابقة، و نظرات زوجات الآخرين و القصائد المتراكمة من القلوب، أود أن ألمس يديكِ خفيفاً، كأنما هواء دخل بين ثدييك الصغيرين، و لامسهما بقبلة خاطفة، و انتظر بالقرب من بابك، حين يحل الليل و يفتش في جسدك عن الفواكة الأكثر سرية، يقضم هنا، و يلامس هذا الموضع، فتئنين يا حبيبتي.
و كمثل فوانيس القرية في أيام العواصف.