٢٣‏/٨‏/٢٠٠٩

عبد اللطيف الحسيني: جولان حاجي و مارك ستراند. منذ بدايته إذن ، اختط (مارك ستراند) مناخا خاصا به ، كان مكتوما ، و إنْ قاله غيرُه بشيء من العجلة الأدبية ، و سوف أذكر (بورخيس ) حصرا ، فماكان من (ستراند) ألا أنْ يصرّحه , ويصرخه ليكون هذا المناخُ طقسا شعريا – وانْ شئتَ – طقسا قصصيا أيضا ، يتفرّدُ به أوّلا ، ثم يعممه الشعراءُ الآخرون : ليصبح هذا التفردُ نكهة – وانْ شئتَ لعبة – يكون الشعرُ دونها خواء أو تجربة تنقصها الدقة و الحالة ألا إذا كان في النص – أيّ نصّ – انشطارٌ، وهذا ما جعل (لسترا ند) صاحب العالم الغني ، الإنشطار ، وما يتبع الانشطار من غنى روحي و تعبيري ، حيث يكتب (ستراند) ، و يخصصُ له الشاعرُ الكرديُّ المتفرّد (جولان حاجي) هذا العالم : عالم الانشطار ، و ما أن ينهي غياب عالم الأشياء ، حتى يتركه كما هو دونما انتهاء أيض كما هي طبيعته – ليلتفت إلى حضور عالم الأشياء حتى يتركه كما هو دون انتهاء أيضا ، و كما هي طبيعته . ففي البداية الشعرية ثمة عالمٌ مرعبٌ و كئيبٌ و غريبٌ يلاحقٌ (ستراند) حتى آخر مجموعاته عام \1998 / “عاصفة ثلجية ” و حتى آخر حياته و أعماله التي لم نقرأها بعد .”( في الحقل أنا غياب الحقل ، أينما أكون أكون ما يِِفتقد )” الازدواج أو الانشطار أو الفصام هذه لازمة ستراند الشعرية ، والتي سيذكرها بطرق بديعة تخالف سابقتها ، وان لم يتغير معناها ، مع ما يرافق هذا التوحد في الحالة من حالة أخرى تضاف إلى نصه لتمنحه فتنة السرد القصصي!! ا هكذا يضعنا – يضعني – ستراند أمام سؤال : هل بامكاني أنْ أغيّرَ نصَّه ؟ وهو شعر هنا إلى نص آخر وهو قصة ، بعد التحوير قليلا ، ل(مسنون في شرفة دار العجزة ) وكم سيكون مذهلاً لو ترجمها “بسام حجار”هذه القصيدة ، القصة وتمثلها وحفظ رنتها التي تبقى معنا ، وخاصة أن لبسام حجار قصيدة بعنوان (عجائز). في مرحلة (مبررات للانتقال) اكتشف (ستراند) عالمين يشبهانه :رامبو وكافكا ، اكتشفهما بطريقته الواقعية التي تسمّي الأشياء بمسمياتها الموغلة في الدقة – لا الوضوح- التي تمنح للمتابع إيغالا في الحياة التي تبدو وكأن كاتبها (كافكا) الذي أكل جسده ، حيث أكل جزءأً حقيقيا من نفسه تخلصا من لا معقولية ما يجري له ، غير أن (ستراند) يأكل الجزء الأكثر حقيقية من نفسه ، يأكل عالما بأكمله حين أكل الشعر وذلك بخلاف كافكا ،وفي ذلك لا سعادة أخرى فوق سعادته .(أكل الشعر في مبررات للانتقال) تأخذ القصائد منحى أخر – وان كان المرفأ المظلم محافظاً على منحى واحد- هو الانتقال إلى المناخ اليومي بما فيه من هامشية تقبل أكثر من غيرها أن يكون فيها شعر غريب ، حيث ساعي البريد (يلوّحُ له برسالة مرعبة ويرجوه ليغفر له ) يائساً قلقاً صغيراً يلتمُّ ككرة , والباص الصغير الذي يقل (ستراند) ليرى عالم (ريو دي جانيرو) الكبير من خلال (النافذة المصدعة المخططة بالمطر ). كان يمكن أن يترجم هذه القصائد (أدونيس أو بسام حجار ) لأنا تعوّدنا أنْ نقرأ ترجماتهما وكأنهما يكتبان القصائد و لا يترجمان ،حيث يضيفان نفسهما الواضح والمتفرد جميعاً ، إضافة إلى دقة اختياراتهما للقصائد المترجمة , وكأن رفقة – لاحظوا رفقة ، لا ترجمة – الشاعر جولان حاجي مع مارك ستراند تعطي لكليهما جمالاً إضافياً، يُنهي (ستراند) كتابة غياب عالم الأشياء وينتهي منها لتبدأ رفقة (جولان حاجي) مع ما لم يستطعْ ستراند متابعة وكتابة حضور عالم الأشياء ، وهنا تتوحد القصائد لتصل إلى عالم يشبه الكمال .
اسم الكتاب: المرفأ المظلم . المؤلف : الشاعر الأمريكي المعاصر مارك ستراند . المترجم : جولان حاجي . الناشر : وزارة الثقافة دمشق 2002